«أنصار الله» الحوثيون في اليمن يسعون بجهد وإصرار وخطط عسكرية ومقاتلين مدربين إلى فرض واقع جديد على الأرض في ظل اضطراب سياسي وأمني يبسط أجنحته على مساحة الدولة اليمنية كافة.
نجح اليمن بدعم خليجي في صناعة نموذج مختلف لدول ما كان يعرف بالربيع العربي، فقد انتقلت السلطة بطريقة أقل ضرراً مما جرى في غيرها من تلك الدول، ولكن النجاح، السلس نوعاً ما، في انتقال السلطة لم يعقبه - كما يفترض - ترسيخ استقرار الدولة، ذلك أن انتشار الفوضى وتجذرها وتحولها إلى حالة استقرار أمر يجعل من الصعب القضاء عليها أو رسم طريق للخلاص منها، وأكثر من هذا حين تتحول الفوضى إلى مؤسسات مستقرة ذات مصالح شديدة التعقيد ترتبط بها شرائح كبرى من المجتمعات، يصبح الأمر أكثر صعوبة، وبقدر ما يترسخ استقرار الفوضى بقدر ما تكون استعادة استقرار الدولة صعبة المنال.
الحوار الوطني السياسي في اليمن اتفق على ستة أقاليم جديدة، ولكن الحوثيين يسعون لحصد مكتسباتٍ تغير المعادلات على الأرض، ومن هنا جاء دخولهم العسكري لمناطق جديدة وصراعهم المسلح مع آل الأحمر.
وهم حين يرفضون تقسيم الأقاليم الستة إنما يرفضونه لأنه قد يحد من مطامحهم أو يلقي عليهم من التكاليف في إدارة الإقليم ما لا يطيقون وما لا يريدون، مما قد يكون عائقاً أمام الوظيفة المطلوبة منهم.
نقلت هذه الصحيفة، في عددها المنشور يوم الجمعة الماضي، عن «الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي (قوله) إن بلاده خرجت من دوامة الأزمات والمحن، بعد نجاح مؤتمر الحوار، وإقرار النظام الاتحادي، من ستة أقاليم، مؤكداً أن المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة، وقرارات مجلس الأمن، كان لها دور كبير في إخراج اليمن من دائرة الخطر والحرب»، وأضاف أن «اليمن على مشارف مستقبل مشرق، وحقق الشعب اليمني معجزة بنجاح الحوار الوطني الشامل وعلى قاعدة لا غالب ولا مغلوب».
يعلم المتابع أن الرئيس هادي يبذل جهوداً كبيرة لإنقاذ بلاده من براثن الفوضى والخراب، ولكن من الصعب أن يصدق أن اليمن خرج أو سيخرج قريباً من دائرة الخطر والحرب، ومع كل التفهم لرغبات الرئيس، إلا أن زمن المعجزات ولى منذ زمن بعيد، ولن ينجو اليمن إلا بالنظر لأحواله بواقعية، وعقلانية تصف الواقع كما هو وترسم له خطط النجاة والنجاح، أما المثالية والأماني فهما يلهيان أكثر مما يساعدان على الحل.
وعوداً على بدء، فقد كانت بداية الحوثيين في اليمن ممثلة في «حزب الحق» مطلع التسعينات، وبعده «الشباب المؤمن» في منتصفها، ثم إعلانهم الحرب الأولى ضد الدولة اليمنية في عام 2004، وصولاً لـ«أنصار الله» 2014. ويبدو أن إيران التي بدأت صناعة حزب الله اللبناني مطلع الثمانينات حتى استخدمته ضد الشعب السوري اليوم قد اكتسبت خبرة في تسريع صناعة مثل هذه التنظيمات.
الحوثيون جماعة يمنية تنتمي في الأصل إلى المذهب الزيدي، ولكنها اتجهت لتقترب من الإمامية الاثني عشرية في عقيدتها الدينية، واستطاعت الجمهورية الإسلامية في إيران أن تخلق لها أيديولوجيا سياسية تقربها منها وارتبطت معها بعرى وثيقة وعلاقات استراتيجية، وقدمت للجماعة دعما غير محدود بالمال والأسلحة بأنواعها كافة وبالتخطيط والتدريب.
حسب ترتيب الأعداء الإيراني في المنطقة، فإن المملكة العربية السعودية تقف على رأس سلم الأعداء، يليها في الترتيب حلفاء السعودية في دول الخليج والعالم العربي، وبحسب هذا الترتيب فإنها كما قامت باستنساخ نموذج حزب الله اللبناني في العراق حتى ضمنت إحكام سيطرتها على الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي، فخففت ولم تلغ علاقاتها بتلك التنظيمات، فهي تصنع الأمر ذاته في اليمن، حيث تريد للحوثيين أن يكونوا شوكة في خاصرة الدولة السعودية.
في ظل العنفوان الأميركي بعد 2001 وخلال 2003 في العراق، لزمت إيران الصمت خوفاً من أن تثير أي ضجة قد تجعل الجيش الأميركي يغير بوصلته، ثم اتبعت لاحقاً سياسة اللجوء لأفضل ما تحسنه إيران وهو بناء التنظيمات السرية والمسلحة بغض النظر عن الطائفة لمشاغبة الجيش الأميركي في العراق، وقد فعلت بتنظيمات شيعية كقوات «بدر» التابعة للحكيم و«جيش المهدي» التابع لمقتدى الصدر، وكذلك بتنظيمات سنية كتنظيم القاعدة الذي كان يقوده أبو مصعب الزرقاوي، ومن السهل استحضار رسالة أيمن الظواهري التي يطلب فيها من الزرقاوي عدم مهاجمة الشيعة في العراق أو استهداف أي مصالح إيرانية, وقد نشرت وزارة الخزانة الأميركية ما يثبت الدعم الإيراني لتنظيمات القاعدة في سوريا وبالتفاصيل.
وما يجري في اليمن هو سيناريو شبيه بما جرى في العراق مع مراعاة الاختلافات المعتبرة، فجماعة الحوثيين تمثل التنظيمات الشيعية وجماعة «القاعدة» في اليمن تمثل التنظيمات السنية. جماعة الحوثيين تسعى لفرض سيطرتها على أكبر بقعة من أرض اليمن ليكون إقليمها الذي ستديره قريباً، ممتداً من صنعاء العاصمة أو من تخومها إن لم يستحوذ عليها، وملاصقاً لحدود السعودية في الوقت ذاته، وهي أدارت حربا شرسة ضد السلفيين في «دماج» حتى أخرجتهم من منطقة صعدة بالكامل، ولم يتدخل تنظيم القاعدة الذي ينتمي إلى تيار «السلفية الجهادية» بأي شكل في صراع السلفيين مع الحوثيين، بل استمر يخطط ويتآمر ليقتل اليمنيين ويهاجم السعودية.
اليمن عمق استراتيجي للسعودية ولدول الخليج، ولا يمكن أن يترك لمصيره، فالعواقب ستكون شديدة التأثير، والموقف مما يجري في اليمن يجب أن يوزن بميزان دقيق قادر على فرز المصالح وبناء استراتيجية متكاملة للتعامل معه، واستباق أي محاولات لخلق مناطق مضطربة على الحدود تكون مرتعا للأعداء مهما تعددت أسماؤهم وتباينت شعاراتهم.
الهجوم على السجون في اليمن وتهريب السجناء الخطرين الذين يمثل بعضهم قيادات مهمة للتنظيمات الإرهابية، يسيران على نفس الخطة التي جرت من قبل في العراق وتكررت في الفترة الأخيرة.
هوجمت الحدود السعودية من الخارج ثلاث مرات؛ مرتين من اليمن ومرة من العراق، فقد استخدم القوميون والناصريون الطائرات لضرب المدن السعودية في الجنوب، ودخل اليمن الجنوبي في حرب الوديعة مع السعودية، ومن قبل سعت جماعة الإخوان المسلمين في 1948 لقلب الحكم والاستيلاء على السلطة في اليمن وعادوا السعودية لأنها أفشلت مخططاتهم في اليمن.
أخيراً، وكما فشلت كل المخططات السابقة لاستخدام اليمن كقاعدة لمهاجمة السعودية، فإن المخططات الجديدة ستنال المصير نفسه.
الشرق الأوسط
عبد الله بن بجاد العتيبي
الحوثيون..حزب الله في اليمن 1482