في كثيرٍ من الأحيان ضلّ الاحتفاء بذكرى الثورات الوطنية شكلاً من أشكال "البروباجندا" السياسية يهدف القائمون عليها ومن خلالها إلى تحسين صورة التواجد الرسمي في أذهان الشعب
والمضِيّ بانتهازيّة رخيصة نحو احتطاب مشاعره الطيبة البسيطة لإشعالها بين يدي بقائهم الباهض المكلف, نحو مثالب الانفعال ظلّوا يقفزون بالذكرى،،
والتي كانت تُخرِجُ المُحتَفَى به عن دوائر التكريم الموضوعي اللائق الذي لا يحتاج كما هي عادة الدول التي تحترم مناسباتها الوطنية وقبلاً شعوبها إلى إعلان النفير العام ودقّ طبول البهجة عبر استعراضات ديكورية هشّة؛ بقدر الحاجة إلى أن تمضي الإنجازات قُدُماً في تحقيق الأهداف التي من أجلها اشتعلت الثورات وترجمتها إلى واقع ملموس يَحتفِي به المواطنون على الدوام وليس في زمن معلوم ومكان معلوم.
حكومتنا التوافقية المبجّلة تتحفنا اليوم بما هو أشد من ذلك وأنكى إذ فضلاً عن حضورها السالب في حياة هذا الشعب المغلوب على أمره؛ ونكوصها الحاد والمستمر في التزاماتها وواجباتها نحوه، لا تفتأ تتفَنن في تعقيد المعقّد وتفكيك المفكك، وتقسيم المقسم، وتلغيم حياتنا بديناميتات الحمق والصفاقة وعدم الاتزان.
نعجب ونحن الذين صفقت قلوبنا للتغيير قبل أن تستلبه الأحزاب رونقه وسناه نعجب من كل هذا التدافع الرسمي لدفع واقعنا المحلي -على اعتلاله- نحو بؤر الضغينة والتوجس والانفعال،،،أين هي لغة التسامح والمحبة والأخوة التي ينبغي للحكومة أن تدثر بها كل الشعب من موجة الكراهية التي تكتسح البلاد بصقيعها طولاً وعرضاً؟!
بالأمس لمس الجميع كيف أن التجييش للاحتفاء بذكرى ال١١من فبراير،- وبإيعاز رسمي حثيث-يمضي نحو تكريس مفاهيم استعدائية لطرف من الأطراف ذنبه الأكبر ماضٍ اشترك الجميع في تشييد مساوئه، وتم تناسي أن هذا الطرف كان جزءاً محورياً فاعلاً في مسألة إخراج البلد من محنة الإحتراب الداخلي ذات ربيع فارط كاد أن يأتي على كل شيء!
لقد بدت المناسبة وكأنها ذكرى انتقامية فحسب يتم خلالها حصر طرف بعينه في زوايا قذرة من التشفي والتهكم والازدراء؟
وهنا لا بد من التساؤل:
هل في هذا ما يدعو لطي صفحة الماضي؟
وهل يعي الجميع وعلى راسهم هذه الحكومة "الفلتة" أن المضي أكثر في هذا الدرب يختصر مسافات الوصول إلى بؤر الفتنة وتعقيد الأوضاع!؟
حتى وإن كانت ثورة بمعناها المكتمل الأصيل
فإن الإحتفاء بذكراها اليوم لا ينبغي أن يتحول إلى ماراثونات عبثية من الاستعراض الفجّ الممتلئ إلّا من الحقيقة؛ حقيقة "أن أحوال هذا الشعب كويّسة وزي الفل"!!
ثمّ ما جدوى الإحتفاء والوطن غارق حتى أذنيه في مستنقعات الفوضى والإنفلات؟!
هل في ذلك ما يؤشر للإستهبال أم أنّها -كالعادة- محاولات بائسة لوضع مساحيق الشعارات التجميلية والأضواء في كل هذه التجاعيد الواضحة اليوم على محيا الوطن!؟.
ألم يكن الأولى أن يتم الالتفات بموضوعية إلى ملامسة كل هذه الجراح المتداعية وتضميدها بدلاً من كل هذه الانفعالات العاطفية الهشّة؟
متى يا ترى يدرك هؤلاء أنّ هذا الشعب قد تجاوز مرحلة الخطابات والشعارات الرنّانة "الفاضية" وأنه أحوج ما يكون اليوم إلى ثورة تصحيحية ناجزة تشتغل في شتّى مسارات الحياة بصورة عملية فاعلة تلامس الهم الوطني العام وتزيح عن واقعه كل هذه الكآبات المزمنة الموغلة بالقول والقول ليس أكثر؟
متى يدركون بأن الإحتفاء بذكرى الثورات الحقيقية هو احتفاء بالإنجاز فماذا انجزوا وماذا حققوا لهذا الوطن من مكاسب؟
لكأني الآن بأسطوانتهم المشروخة وصراخهم المرتفع :
وماذا انجز عفاش طيلة٣٣سنة!!؟
هذا كل ما لديهم!
إن المعاني الجميلة للثورات لا يمكن اختزالها بكرنفالات عسكرية أو شبابية أو بعروض خطابية "خضابيّة" خجولة تستهدف العاطفة وينتهي أثرها بانتهاء الكرنفال أو العرض،،
تلك ممارسات شوهاء تقلص من حضور هذه الثورات في قلوب الجماهير، وتدهس حلمهم بغدٍ تورق من خلاله طموحاتهم وأهدافهم، إذ ما قيمة الثورات إن لم تتواكب بترجمة حقيقية للقيم والمبادئ التي من أجلها قامت!؟
وهنا يتبادر سؤال:
ماذا لو كرسنا الثورة كممارسات يومية خلّاقة نهدم من خلالها الأوضاع السلبية في حياتنا، كلاّ من موقعه، في البيت، في الشارع، في مكان العمل....وقبل ذلك في ضمائرنا هل ترانا بحاجة إلى مزيد من تلك الاستعراضات الجوفاء التي لا تشعرك إلاّ بمعارك وهمية يحاول أربابها احتكارها بتطرّفٍ وعمى بين قُوى (الخير والشر، الحب والكراهية، النصر والهزيمة، الربح والخسارة، الرحيل والبقاء...الخ)
لا...لن نكون بحاجة إلى ذلك، وكل ما سنحتاجه وقتها هو إشعال أهازيج الوطنية في أرواحنا والمضي نحو البناء، بناء هذا الوطن فهل يعقلها الجميع ويتوكّلون؟.
غيلان العماري
11فبراير دعوة للبنآء والتسامح 1231