تنضم اليمن إلى غيرها من كيانات ذبيحة، والانشطار الداخلي المعلن تحت عنوان تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم نتيجة طبيعية لأمرين، أولهما مظالم التكوينات الاجتماعية، التي خرجت إلى السطح، وثانيهما إدارة هذه المظالم بحيث تأخذ اليمن إلى الانشطار.
في كل التوقعات كلام عن دول عربية جديدة، والانشطار الوجداني أخطر بكثير من السياسي، لأنه يقود إلى السياسي والجغرافي، وفي نموذج العراق انشطار ثلاثي: سني وشيعي وكردي، وعدم رضا تلك المكونات إزاء حقوقها سابقاً أدى إلى تهيئة البيئة لهذا الانشطار المذموم، فهو انشطار تأسس على تاريخ طويل من اضطهاد السلطة للناس، واضطهاد الناس لبعضهم البعض.
السودان ذاته انشطر إلى اثنين، وأحد السودانين - أي الجنوبي- قد يكون عرضة للانشطار أيضاً، واحتفال الشماليين وشماتتهم بوباء الانشطار الذي امتد إلى الجنوب لا يلغي أبداً خطيئة الانشطار الأساس، وليس غريباً أن ينشطر السودان الشمالي أيضاً، فقد كنا أمام مملكة مصر والسودان، سابقاً، وها هي تنشطر إلى ممالك صغيرة.
مصر حتى الآن لم تنشطر، سياسياً وجغرافياً، وإن كانت قد انشطرت دينياً وحزبياً، دينياً فإن كل بيئة الانشطار على أساس مسلمين وأقباط واضحة بقوة، وحزبياً، تغرق مصر في حرب داخلية، ما بين من يتباكى على مرسي، ومن يطالب السيسي بإكمال معروفه!.
سورية أيضاً التي كانتُ موّحدة، لم تعدُ موّحدة، والانشطار تم وضع حجره الأساس، والكل يتوعد الكل، السنة ينتظرون اللحظة التي يحرقون فيها العلويين، والعلويون ذاتهم يحرقون السنَّة، والمسيحيون يتخوفون من المألات، وسيدفعون ثمن هذا الصراع، وسورية كلها مؤهلة للانشطار على أساس ثلاثة كيانات في الحد الأدنى.
لبنان منشطر وحدود التقسيمات واضحة ومدسترة ومقوننة، فهذا بلد يتم فيه تقاسم الشوارع والأحياء والوديان والجبال، والتقاسم يمتد أحياناً إلى المطاعم والكوفي شوبات، بحيث يشتهر هذا الكوفي شوب بكونه للنخبة المارونية، وذاك بكونه ملاذاً للنخبة السنّية أو الدرزية أو الشيعية.
فلسطين تم شطرها بعد احتلالها جغرافياً، نحن أمام أربعة أقسام، فلسطين 48 وتسمية من فيها بكونهم عرب الثمانية والأربعين، وليسوا فلسطينيين، للتهيئة لرحيلهم إلى أي بلد عربي، ما داموا عرباً، وليسوا فلسطينيين، ثم الضفة الغربية، ثم غزة، ورابعاً تأتي القدس.
واجتماعياً تحقق الانشطار في العالم، فتم تكريس الفلسطينيين كمجموعات، من يعيش في المخيمات، ومن يعيش في المدن، ومن يحمل جواز سفر عربي أو أجنبي، ومن هو بلا جواز، والتقسيم امتد إلى الهوية الاجتماعية بين البدو والفلاحين وأهل المدينة، وهذا تقسيم امتد حزبياً إلى حماس وفتح، يسار ويمين، والانشطار يتوالى، وامتد إلى مشاعر تم توليدها بين من هو غزّاوي ومن هو ضِفاوي.
أكثر أمة تهمل الرياضيات هي الأمة العربية، وقد قيل سابقاً إنها لا تعرف من الرياضيات سوى القسمة، وتحديداً القسمة على اثنين.
وباء الانشطار ممتد إلى المغرب العربي، على خلفيات قومية وعرقية، والذي لا ينشطر اليوم، ينشطر غداً، عرباً وأمازيغ، وغير ذلك من مقدمات يتم إحياء ملامحها تمهيداً لهذه المراحل المقبلة، وقد رأينا ليبيا كيف تنشطر، قبلياً، شرقاً وغرباً؟!.
علينا أن نلاحظ مجدداً أن تاريخاً طويلاً من الظلم والتظالم، داخل التكوينات في هذه البلاد، باستثناء حالات الاحتلال، تم استثماره اليوم بشكل ذكي، لإثارة النزعات، واسترداد الحقوق المسلوبة، أو تعظيم المآخذ، وتغذية الشعور بالغبن، مالياً وعسكرياً وإعلامياً، أثمر ثمراً مراً وعلقماً، فلم نسمع عن بلد واحد، قرر رفع المظالم، لاستباق الانشطار ومنعه، أو وقف في وجه رياح الانشطار، خوفاً على الوحدة.
والأمثلة كثيرة، وإثارة التناقضات وتوظيف الثنائيات يجري يومياً، ثنائيات القوميات والأعراق والأديان والمذاهب، ثنائيات الأحزاب والصراع على السلطة، ثنائيات الغني والفقير، فهذا عالم ينشطر يومياً، ولا يتحقق الانشطار الجغرافي والسياسي، لولا أن تحقق أولا الانشطار الوجداني، وهذا يعني أن كل ما نراه اليوم نتيجة لإرث طويل، قبل أن يكون هدفاً بحد ذاته.
ثم يبقى السؤال: لماذا لا نجد شعباً عربياً واحداً يدافع عن حياته، بالوقوف في وجه الانشطار، نتيجة أكان أم مؤامرة، والسؤال مفرود لمن يعرف الإجابة، بغير شتم مكون آخر من مكونات هذه المنطقة؟!.
*كاتب أردني
ماهر أبو طير
كوليرا قومية 1066