رغم كل الأحداث الراهنة في البلاد بدءاً بالأزمة السياسية والاقتصادية والمذهبية ومروراً بالدعم اللوجستي والمادي الخارجي الفاسد لبائعي الأوطان وانتهاءً بالرواتب ومخرجات الحوار الوطني الناجح, فقد سطَّر الجندي اليمني أبرز مهمة في صفحة الدفاع عن الوطن والسيطرة على الأمن والأمان, فكان هو سور الشعب الواقي والحصين وصديق البرد والحر والجوع في تضاريس البلاد المختلفة ليلاً ونهاراً وخادم اليمن السعيد وكبش فداء لأي هجمات أو أزمات محتملة, ولقمة سائغة لكل قائد لا يخاف الله.
هناك استفهام يدور في خاطري كل يوم أريد مناقشته مع كل من شارك أو تابع الحوار الوطني الناجح, يا ترى كم هي الفترة الزمنية التي مُـنحت لمناقشة أوضاع الجندي المعيشية؟ ناهيك عن مشاكل وحقوق الجيش بأكمله, مقارنة مع ما مُـنح لمناقشة بقية القضايا كحقوق المرأة وأخدام الله والانفصاليين والمخربين والمناهضين.. وغيرهم من كافة أبناء الشعب الواحد والتي كانت تصنع من قاعة المؤتمر حلبة مصارعة ومكان لتبادل التهم والتراشق بالعبارات البذيئة وجعلت من المؤتمر مسلسلاً درامياً يتابعه عامة الناس حول العالم, لا أنكر ولا أحد يستطيع أن ينكر, فقد تم ذكر الجندي في جلسات عديدة ضمن مناقشات المؤتمر ولكن كان أغلبها إن لم يكن كلها هي الاستعانة به في حمايتهم وحماية المصالح الخاصة والعامة في البلاد.
أما عن حقوقه ومستحقاته وما يواجه من ظلم وإجحاف في حياة شبه تالفة وغير صالحة للعيش الكريم في البلد الطيب, فقد كان النقاش يدور حول ما زاده إحباط وخيبة أمل تسيطر على ما تبقى من حياته.
عندما يرتدي الجندي الزي العسكري فهذا يعني أنه ملك للوطن لا لشخص أو قبيلة, وعندما يؤدِّ القـَـسَم العسكري فإن ذلك عقد حماية بينه وبين الوطن لا عقد نكاح على قائد أو آمر.
إن ما نلاحظه اليوم من استخدام للجندي اليمني في أشياء ومهمات كثيرة توحي بأن الجيش الوطني مازال قوياً ومستعداً للنهوض باليمن إلى أعلى مراتب العزة والكرامة, وأن الوطن ما زال يملك الجيش دون منافس, ولكن وللأسف عندما ندخل قليلاً في حياة العسكري اليمني وطريقة صموده في الميادين والمعسكرات نكتشف أن القـَـسَم العسكري كان بمثابة عقد نكاح بالنسبة لبعض القادة الظالمون, فالجنود والضباط في الميدان هم أسود ضارية ضد كل من يحاول المساس باليمن, وهم القلب الرحيم لكل مواطن يمني يحب وطنه, فحياة العسكري كلها أوامر, فبالأمر العسكري يأكل التراب وينام في العراء, بالأمر العسكري يحرس أشخاص ويدافع عن ممتلكات أشخاص, بالأمر العسكري يستلم الراتب ناقص, بالأمر العسكري يدخل الزنزانة إن طالب يوماً بحق من حقوقه, بالأمر العسكري يأمر أولاده بالصبر على الجوع والفقر كي يأكل ويشبع وينام أولاد القائد, بالأمر العسكري يبكي أمام زوجته وأولاده ووالداه حين تحل عليه مصيبة أو مرض وهو لا يقدر عليها, بالأمر العسكري ينهض متأخراً في الليل باكياً بدموع قلبه على أخوته المواطنين الذين زرعوا بينه وبينهم العداوة والبغضاء, وبالأمر العسكري يموت واقفاً شامخاً بكل صمود واعتزاز في سبيل الوطن, كل هذا حباً في الوطن لا خوف من عذاب القائد أو مصادرة الراتب الذي لا يكفيه حتى ثمناً لشراء بسمة حقيقية في شفاه أطفاله؛ لأن الراتب في الأصل كعلامة إعراب تقديرية ليست ظاهرة منع من ظهورها المعروف فيُـأخذ جزءٌ منه وإن كان ضئيلاً – كجزيَة – يدفعها يستحي ويخاف من طلبها و جزءٌ يـُستقطع للقائد جزاء بسبب الغياب وجزءٌ يعطيه كرشوة أحياناً لمن يساعده باستلام راتبه وجزءٌ يتبقى كلعنة حلت عليه لا يدري كيف يصرفه أو لمن من أهله يعطه.
باسمه تأتي المساعدات وتصرف المليارات, وباسمه يحتفل الشعب والوطن بالفوز والانتصارات, وباسمه يفتخر ويعتز كل مواطن, وباسمه يحتال المجرمون وينهب هنالك الناهبون.
كم من جندي وضابط لا يعرف من الجندية سوى الراتب والمكافئات التي تصله إلى البيت قبل موعد التسليم, وكم من قائد لا يعرف للجندية سوى الأوامر والاستعباد وأكل أموال جنوده ظلماً وعدواناً, يبحثون عن الأكباد في جثث الجنود كي يشبعون بها غرائزهم الحيوانية الظالمة, يمزقون الجندي ويجردونه من كامل حقوقه وقوت أهله من أجل أن يبنوا لأنفسهم وأولادهم مستقبل الرفاهية, يتعاقب الجندي المرابط في الميدان إن تغيب أو ألمَّ به الزمن يوماً, ويحرم من بعض حقوقه وتهان كرامته, بينما يكافأ ويرقى ويستلم الزيادة والعلاوة من هو منتسب إلى جيش البيوت لا يعرف للميدان طريقاً كابن قائد أو كبير قوم أو ما شابه ذلك.
في الحقيقة هناك الكثير والكثير من القادة الشرفاء والعظماء الذين مازالت اليمن تفتخر بوطنيتهم ومازال الجيش اليمني قوي بقيادتهم ولكن هناك من السحر والشعوذة والنفث في العقد – كما أسميه أنا شخصياً – يدور خلف جدران الخيانة ما هو كفيل بإرغام الجنود وكل من هم تحت قيادتهم على الكراهية و رسم الصور الخاطئة في نزاهتهم وذلك عن طريق الحرب العشواء التي يقودها أصحاب مبدأ "اسرق فما خرج من ظهر الدولة حلال" و غيرهم من أصحاب المبادئ الخاطئة التي يهدمون بها الوطن.
إن مثل هذه الحرب ليست إلا طريقة يستخدمها الضعفاء للضغط على الشرفاء إما في التخلي عن القيادة والرحيل ليحل محله أحد زمرتهم المقربون وإن رفض واستمر بالنزاهة والخدمة تم تهميشه أو تهشيمه, أو من أجل أن ينحرف نحو طريق النهب والظلم وبذلك يكون هدفاً تم تحقيقه في سبيل هدم وإضعاف الجيش والوطن وفي هذه الحالة تشدد عليه الحراسة ويختار من المناصب أيتها شاء.
فلو أردنا دراسة مشاكل وتضاريس الجندي اليمني من جميع الاتجاهات للزم علينا الدعوة لعقد قمة عربية طارئة تناقش وتدرس معجزة وجود جيش في اليمن تحت كل هذه الضغوطات والفساد المستمر وكذلك من أجل الحذر من مثل هذا الجيش الذي لا يستسلم مهما كانت الظروف والعراقيل ولا يتخلى عن حماية وطنه مهما اشتد عليه الحرب والحصار.
فسلام عليك أيها العسكري القوي المسكين مهما نسيك المتحاورون والباحثون عن العدالة والمساواة, فأنت أنت القلب وستضل وطناً حصيناً لا يمكن اختراقه.
وسلام عليك في الأولين والآخرين وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين.
شهاب محمد رسام
انضمام الجندي إلى الجيش..عقد حماية أم عقد نكاح؟! 1581