في البداية تعالوا بنا نستعيد الذاكرة قليلاً من ساحات الحرية والروح الثورية في الخيمة التي كانت تجمع كل الفرقاء السياسيين والقبليين وثاراتهم وأصحاب المذاهب واختلافاتهم وكل الشرائح على اختلاف مشاربهم .
لقد ذابت كل هذه الطبقات واختلافاتها والقبيلة وثاراتها والمذهبية و السلالية وتوحدت في بوتقة الثورة التي هدفها هو إسقاط الفساد الذي يعبث بمقدرات اليمن المادية والمعنوية والاجتماعية.
لكن سريعاً ما انفك هذا النظام وخارت قواه وتشققت أركانه إلا وتمزق الصف الثوري وخرجت بعض القوى من نضالها السلمي إلى فرض الفكرة بقوة السلاح وإراقة الدماء وإزهاق الأرواح وتدمير البيوت وتهجير المواطنين المخالفين لدين سيدهم ,تسعى لإعادة الماضي فوق جماجم اليمنيين.
والملاحظ من ذلك أن هذه القوى انتهجت طريقين أو مسارين:- الأول سياسي كان من خلال مؤتمر الحوار و تمثيل أعضائها, والأخر واقع تدميري سعى إلى فتح جبهات قتالية وحروب طائفية سياسية مذهبية في أكثر من جبهة وذلك كله من أجل فرض فكر سلالي مقيت يدعي الحق الإلهي في الحكم والتحكم بالأرض والإنسان ويسعى إلى تحقيق ذلك بقوة سلاحه وعتاده الذي يفرض به فكره الاستبدادي الإمامي.
قد يقول قائل ماذا حققت الثورة ؟غير الدمار والتفلت الأمني!
أقول له :لا تنسى أنها قامت على نظام اتخذ من سياسة "فرق تسد" برنامج يومي يسعى به إلى افتعال الأزمات وإدارتها بما يخدم مخططه التوريثي وكانت هذه السياسة المقصود منها خلق مراكز صراع جديدة من أجل أن تكون الضامن والحامل للمشروع التوريثي الصالحي.
أتت الثورة في حالة من الاحتقان السياسي والعسكري والقبلي, كان وقتها كل مؤسسات الدولة مقتسمه بين اطراف النزاع ,و بالأخص الجيش والأمن والأجهزة المخابراتية القومية والسياسية.
في ذلك الحين خرجت جموع الشعب اليمني لتعلن أنها صاحبت القرار والمالك الأصلي للحكم والشرعية الدستورية ,وقولها هو الفصل.
طالبت برحيل فاسد وحكم تمرن وألف السير في طريقه الفاسد, وبدأت جدران الحكم الصالحي بالتصدع وكثرت فيه التشققات, كان على وشك الانهيار في ذلك الوقت تدخلت القوى الخارجية والإقليمية لرأب الصدع الذي يزداد يوماً بعد يوم في منظومة حكم صالح.
تتالت الحوارات السرية التي كانت بعيدة عن الحدث الثوري, تزامنت مع حراك ثوري في الشوارع والأزقة والساحات ,وبينهما مسار عسكري يسعى إلى كسر شوكة الحكم الوراثي الذي حمله الفكر الصالحي وكذلك من أجل توازن القوى.
بعدها أتت المبادرة الخليجية الموقعة من قبل صالح والأطراف السياسية, وبدأ الفعل السياسي يخفي الفعل الثوري وتختفي أضواءه, وسلمت دفة القيادة الثورية للسياسيين الذين يمتازون بالتعامل مع المتغيرات بكل حذر والسير البطيء الذي أعطى الوقت للحاكم السابق أن يرتب أوراقه ويعود إلى اللعبة السياسية في مرحلة تتزايد فيها التعقيدات التي توضع في طريق التغيير.
بدأ الحوار الذي كان عبارة عن مخرج لحالة الاحتقان التي تراكمت خلال السنوات التي سبقت الثورة وكان هو المخرج الوحيد الذي استبدل لغة الحرب والدمار بـ لغة الحوار والسلام وكذلك دراسة المشاكل التي رافقت مسيرة الحكم التي سبقت والعمل على إيجاد الحلول للمعضلات الزمنية التي أدت إلى المشاكل الآنية.
وقد تخلل هذه العملية الكثير من المصاعب والعقبات والعوائق التي رافقت سير هذه العملية الحوارية, وبالفعل تم تجاوزها بحكمة وتبصر وصبر وجلادة وإرادة حتى انتهى المؤتمر الحواري بمخرجات تمثل الأساس والقاعدة التي ترتكز عليها أهداف الثورة الساعية إلى بناء دولة العدل و القانون وحماية حقوق وحرية الإنسان اليمني.
وبهذا تحقق الهدف النظري للثورة الذي سيتبعه الهدف العملي, وقد صاحب هذا التحقق خسائر مادية ومعنوية وبشرية دُفعت كضريبة لهذا النجاح الذي حملته اليمن في عشرة أشهر.
بقى أمامنا الكثير من العقبات والمعوقات التي ستواجه الإنجاز التطبيقي والضامن لمخرجات الحوار من أجل العمل على ترجمتها على الواقع, إذ هي مرحلة قادمة ستكون ربما الأخطر من سابقاتها, سوف تُرسخ فيها قواعد الدولة اليمنية الحديثة, والهادفة إلى توعية المجتمع بما تحمله هذه المخرجات من معاني قيمية وإيجابية تحقق دولة المساواة والحرية والعدالة الاجتماعية لتتحول من الإطار النظري التدويني إلى الإطار التطبيقي الواقعي يُحكم الجميع تحت طائلة القانون والدستور, يعيشون في أمان واستقرار اقتصادي وسياسي وازدهار ثقافي وتعليمي.
ليتكاتف الجميع ونبذل الجهود ونوحد الصفوف من أجل دحر قوى الشر التي لا تريد لليمن الاستقرار ولا لليمينين العيش الكريم بسلام وأمان.
لنقف صفاً واحداً من أجل تطبيق مخرجات الحوار....
نشوان العمراني
الثورة..من التحقيق إلى التطبيق 1305