لم يعد خافياً على أحد أن حرباً ضروساً منظمة ومنسقة يخوضها أكثر من طرف ضد هذا البلد وشعبه المغلوب على أمره.. فبإطلالة بسيطة على ما تبثه القنوات الفضائية وما تتناقله وسائل الإعلام المحلية والخارجية تكفي لمعرفة شراسة هذه الحرب التي تتكرر عناوينها منذ عدة أشهر دون كلل أو ملل على مسامع الإنسان اليمني, الذى بات يمسي على فجيعة ويصبح على كارثة إلى درجة أصبح فيها لا يكترث بأي حديث عن المستقبل واحتمالاته أو الغد واستحقاقاته, بعد أن حاصرته عوامل الإحباط واليأس وهموم الحياة اليومية وتطورات الأحداث المتسارعة التي جعلت هامش ذلك المستقبل يضيق أمام غالبية اليمنيين, الذين لا يرون حتى هذه اللحظة أية مؤشرات دالة على أي استعداد من جانب الساسة أو المسئولين في الدولة لإعادة ترتيب أوضاع هذا البلد الذى تتجاذبه النزاعات والكوارث والصراعات والتخلف والأمية والمرض والذى يتسع ويتعمق في ظلها الموقف العدمي من الدولة لدى فئات واسعة من الناس ويصبح المجتمع كله أسير أزمة عامة أو بالأصح أزمة بنيوية ماحقة.
قبل أسبوعين- تقريباً- اختتم مؤتمر الحوار الوطني بالتوقيع على وثيقة أطلق عليهاج خارطة طريق المستقبلج وهي الوثيقة التى قيل عنها "إنها من تضمنت تشخيصاً دقيقاً وحقيقياً للوضع الهش الذى وصلت له البلاد وأنه ومن خلال هذا التشخيص تم وضع الحلول والمعالجات لكافة القضايا والمشكلات العالقة وتحديد أوجه الانتقال إلى المرحلة القادمة" إلا أن هذا الحوار- الذى تباهينا بمثاليته وقلنا إنه قدم درساً بليغاً للعالم المتحضر عن الحكمة اليمانية- نجد أن بعضاً من شاركوا فيه ربما غيروا رأيهم بمجرد خروجهم من بوابة الموفنبيك وذلك بانحيازهم إلى العنف وشرعنته, فقد كشفت أحداث حاشد وعمران ضمن ما كشفت عنه أن الأوضاع في هذا البلد, باتت أكثر تعقيداً مما توقع المتشائمون ويصبح الأمر مفجعاً أكثر بانتعاش التعبئة الطائفية والمذهبية المتشددة والحادة التي تتهدد التعايش السلمي والقيم والمبادئ المشتركة التي تجمع أبناء الوطن الواحد.
وحتى لا نذهب بعيداً في تفسير ما هو من الأولويات وما هو ليس منها في هذه المرحلة الحساسة والمفصلية.. علينا أن نسأل أنفسنا, كيف لنا أن نتقدم في اتجاه تنفيذ مخرجات الحوار والإعداد للدستور الجديد والاستفتاء عليه فيما هيبة الدولة تتلاشى وتضمحل يوماً بعد يوم بعد أن خرجت عدة محافظات عن سيطرة الحكومة المركزية قصداً أو كرهاً فيما محافظات أخرى تشهد عصياناً مدنياً وتسيطر عليها مليشيات مسلحة بشكل يشل أداء المؤسسات الحكومية كما هو الحال مع حركة الحوثي التي باتت- على أرض الواقع- تمثل قوة مسلحة تهيمن على موقع جغرافي في عدة محافظات بشمال الشمال, ناهيك عن محافظة حضرموت التي أصبح فيها حضور الدولة ضعيفاً إلى حد كبير بعد أن نجحت بعض القبائل من تكريس نفوذها على رقعة من الأرض واتخاذها منطلقاً للعدوان على المناطق الأمنية ومعسكرات الجيش ومحاصرة الشركات النفطية وهو الواقع الذى ينطبق على مليشيات الحراك أو من تسمي نفسها (حركة المقاومة الجنوبية) والتي لجأت إلى العمل المسلح ومقاومة سلطات الدولة في محافظة الضالع وبعض مناطق لحج وعدن بل إنها من أصبحت تتعاون وتتحرك على مسار عناصر تنظيم القاعدة في مهاجمة رجال الأمن والجيش وقتلهم فيما سلطات الدولة غائبة أو مغيبة في كثير من هذه الأحداث العاصفة؟!.
وفي حالة كهذه كيف لنا أن نطمئن أننا نسير في الطريق الصحيح إذا ما كان من يتولون مسئولية حماية هذا الوطن والسهر على استقراره وسلامة أبنائه صاروا بحاجة إلى من يحميهم من عصابات القتل والإجرام والإرهاب التي تترصدهم على مدار ساعات الليل والنهار وإذا ما تساءل المرء أين الدولة كمؤسسات؟ أصبح واحد من اثنين إما مغرضاً وحاقداً ومعادياً لعملية التغيير والتحول أو باحثاً عن مصلحة ذاتية أو مكسب نفعي, أما من يتجرأ على القول بأن الحكومة الحالية التي تتشكل من محاصصة سياسية عرجاء تتعكز على أي سبب لتبرير عوق تقاسمها الحزبي هي من تقف خلف الارتباك الحاصل في المشهد الأمني فعليه أولاً أن يقدم المعطيات التي بنى عليها تصوره ما لم فعليه أن يواجه سيلاً من الاتهامات.
ولذلك فإن ما يجري اليوم في منحنيات الملف الأمني هو عين ما جرى بالأمس وما قبله وهو نفسه ما سيجرى في الغد وما بعده طالما افتقدنا الغيرة على بلد يتهاوى تحت ضربات الفوضى المتفشية وعبث المجموعات المسلحة التي تتحدى سلطة الدولة وهي المقاربة التي عبر عنها أحد المحللين الغربيين رداً على تصريحات قيادي يمني والتي وصف فيها عملية اختطاف أحد الرعايا الألمان وآخر بريطانيا بأنها محاولة لإحراج الدولة, حيث أشار بقوله" لكي يكون هناك إحراج يتوجب بداية أن تكون هناك دولة إذ أن الوقائع الميدانية تشير- بكل وضوح- إلى أن الدولة في اليمن صارت هي الغائب الأكبر, مما ساهم في خلق مناخ من انعدام الأمن واستهداف رجال الشرطة والجيش الذين لم يحرص اليمنيون على الالتفاف حولهم كخيار ينبع من تمسكهم بمشروع الدولة.. ومثل هذا الكلام هو من يدعونا اليوم إلى مخاطبة الرئيس عبدربه منصور هادي تحديداً ومباشرة لاعتبارات عدة:
· لأنه رئيس الجمهورية المؤتمن على إعادة الاعتبار لهيبة الدولة وصيانة دماء الجيش والأمن الذين سقط من سقط منهم ودونت أسماؤهم في سجل الخلود للشهداء ليس فقط لأن تلك الدماء هي أمانة في عنقه ولكن لأنه بحكم مسئوليته مطالب بحشد كل الجهود من أجل إيقاف مسلسل الإجرام الذى أوغل في عدوانيته ضد أبناء القوات المسلحة والأمن.
· ولأنه الأقدر من موقعه الوسطي على حشد كل اليمنيين في مواجهة من يسعون إلى إضعاف الدولة وتفكيكها ولأنه جدير بإعادة الثقة إلى مؤسسات هذه الدولة التي أصابها الكثير من الوهن والضعف في هذه المرحلة المصيرية التي تمر بها اليمن.
· ولأنه أيضاً من اختاره الشعب لبناء يمن جديد ودولة مدنية حديثة وعادلة وحماية السلم الاجتماعي من كل الفتن التي تتحين الفرصة المناسبة لتمزيق نسيجنا الواحد وشق صفوفنا وإعادتنا إلى المربع الأول لأزمة عام 2011م.
· ولأنه المعني في المقام الأول بحماية اليمن من الصوملة والعرقنة والسورنة والحفاظ عليه واحداً وموحداً في ظل دولة يتساوى فيها الجميع تحت مظلة القانون وقيم التسامح والوئام والسلام دولة لا مجال فيها لنوازع التشفي والانتقام وتصفية الحسابات القديمة التي تنكأ الجراحات وتولد المزيد من الضغائن والأحقاد.
· ولأنه في الأول والأخير يدرك أكثر من غيره بأن بناء اليمن الجديد يبدأ من اليوم وليس من الغد وأن ذلك لكي يصبح ممكناً يجب عليه أن لا يترك الأطراف المتصارعة أن تشغله عن قضايا أساسية وفي مقدمتها إعادة فرض هيبة الدولة لأنه بدون عودة هيبة الدولة فلن نتحرك خطوة إلى الأمام, خصوصا بعد أن وصل الحريق إلى المسرح وأصبحت أركانه تتساقط, فيما بعض الممثلين لا يبدو أنهم يرغبون في إطفاء الحريق لأن مصالحهم تقتضي أن تزداد انقساماتنا وتستفحل صراعاتنا وتتواصل حروبنا وتتعمق تجاذباتنا بل إنهم من يعدون من الآن للزج بنا في فيدرالية تغلب عليها التشوهات بحيث تفرخ الفيدرالية فيدراليات والأقاليم كنتونات وجيتوات لاعتقادهم أننا نعيش نوعاً من فقدان الذاكرة أو تشوش الذهن أو تغييب الوعي إن لم يكن ضميرنا الوطني أصبح في حالة استرخاء أو تبلد.
ويا فخامة الرئيس: معظم اليمنيين يعولون عليك انقاد المستقبل الذى أصبح في مهب الرياح وإنقاذ الدولة من على طاولة التشريح وتحرير القرار الوطني من مزادات الدفع بالعملة الصعبة ولن تقدر على ذلك إلا بالتمرد على من يحاصرونك لتنتصر لليمن واليمن فقط.
علي ناجي الرعوي
الدولة الضعيفة..اهم تهديد لسلامة اليمن !! 2448