حين تترك أرضك، منزلك، أهلك، وترحل إلى بلدٍ آخر مجبراً لا مخيراً ولأي سببٍ كان حينها تولد بداخلك أحاسيس غريبة وأفكار مختلفة ومشاعر مختلطة من خوف حزن ووجع..

لا تستطيع استساغتها في البداية ولا يكون لديك القدرة حتى على فهمها والسيطرة عليها..

أن تجبر على التخلي عن مكانٍ الفت رئتيك هواه واعتادت قدماك ثراه فذلك بالتأكيد أمراً شديد القسوة وصعب الاحتمال..

وبما أننا كيمنيين لنا خصوصية عن كل البشر إذ أننا لسنا فقط مشتتين في كل دول العالم وحسب ولكن يبدو أن على أي شخص يمني الجنسية لم يذق لسعة الاغتراب خارج أسوار الوطن أن يلتسع بنار النزوح داخل وطنه..

وبعيداً عن ما يسببه النزوح واللجوء من مآسي لا حصر لها فأني أعتقد أن علينا التأمل في الزوايا الإيجابية لموضوع كهذا إن كانت له إيجابيات وإن لم يكن فعلينا صنعها لأنه أمر فرض علينا وعلينا التأقلم معه كأمرٍ واقع وحالةٍ فرضتها علينا الأزمات والحروب السائدة حالياً وسابقاً وربما مستقبلاً..

وكل شخص تعرض لهذه المحنة- أعني محنة التهجير والنزوح أو اللجؤ- سيدرك مع مرور الزمن أن تلك الحالة ولدت بداخله مشاعراً أعمق ومنحته تفكيراً أوسع وأنضج من غيرة..

وأياً كان حجم الألم والمعاناة التي قد يشعر بها وهو يعيش بداية تلك المرحلة التي لم تخطر على باله ولم يكن على استعداد لتقبلها..

إلا أنه سيكتشف في نهاية الأمر أن قساوتها منحته صفة وميزات ليست لاحدٍ سواه ممن يحيا ويموت في نفس المكان والموقع وفي النهاية كل ألم مهما بلغ حجمه وقسوته سينتهي يوماً ويصبح مجرد ذكرى وإن تركت أثراً عميقاً في النفس البشرية إلا أن ذلك الألم سيولد بداخلك إنسان مختلف وإن كان لاجئ.