كل مظلوم يتوجه إلى القضاء لينقذه من الظالمين، يوم يكون القضاء مؤسسة ربانية تستمد سلطانها من (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) ويكون القضاة في المجتمع المسلم يخافون أن يقعوا في النار، ولا يتبعون أهواءهم ولا أهواء أسيادهم، وحين يبتعد القضاء عن التشريع الرباني، فإنه يتجه نحو القوانين البشرية الغربية الذي وجد لمراقبة الانحراف السياسي لقادة الأمة السياسيين وسلطاتها التنفيذية، حماية للشعوب من الاستبداد وعدوان الحكام المستبدين، وحين تغيب هذه المفاهيم القانونية يتحول القضاة إلى عناصر أمنية يناط بها هدم حريات الشعوب والحكم على رجالاتها الأحرار بالسجن والموت، وتهدم تحت سياطهم الأمنية باسم القضاء كل الحقوق والحريات، وتصادر الأموال وتنتهك الحرمات والأعراض وتراق الدماء ظلماً وزوراً باسم القضاء، الذي ينزع جميع مظاهر الدفع والترافع القانونية عن المتهمين المعارضين للنظام الذين هم سلسلة متفرعة عنه، وليست مستقلة لحماية الشعب، ومن ثم تقيم محاكمهم التفتيشية، محاكمات هزلية لكل من يقف ضد الظلم والطغيان من الحكام المغتصبين لكرامة الأمة، تحت وطأة انحراف أخلاقي لأشرف مؤسسة ينتمون إليها لممارسة أشنع الجرائم باسم القضاء، ويصدرون أحكاماً خالية من قواعد التقاضي وغير متفقة لامع شرع الله ولا مع القانون الوضعي البشري، ومن خلال متابعتنا لمحاكم التفتيش المنعقدة في مصر لمحاكمة أبناء الشعب المصري وقادته المدنيين، ندرك أن القضاء أصبح انقلابياً أكثر من الانقلابيين أنفسهم، بما وصل إليه من انحدار في قبول الطعن في عدم أهلية المحكمة في النظر في محاكمة الرئيس المصري المنتخب من الشعب ديمقراطياً وليس تحت توقيع 22 تطالبه بالترشيح، بحسب قانون القضاء الذين كانوا يوماً أعضاء فيه، فنحن نرى إلى أي منحدر سقط القضاء المصري ونيابته العامة في مصر العروبة، قبلة كل العرب في متابعة مصر والتوجه إليها كدولة لها ثقلها في العالم العربي.
إن رئاسة المحاكم التي سلمت لها محاكمة رجالات مصر وثوار يناير من ينظر إليها ويرى إجراءاتها يتبين له بأنهم جزء لا يتجزأ من الانقلاب على الثورة لا علاقة للقضاء بهم، وإن سموا قضاة فمن باب تسمية الخمر (شراب روحي) وأظن هؤلاء لو عرض عليهم العسكر أن يبيحوا زواج المثلية لما ترددوا في القضاء به، فممارستهم تناقض كل الأعراف القضائية في قبول الادعاء وسماع رد الدفاع، لقد ضل القضاء في مصر رغم تعرضه لهزات أوقعته في مخاطر متماسكاً من حيث العموم، حتى حصلت الثورة المضادة لـ 25يناير في مصر الذي قادها العسكر، فعملوا على تغييب كل قضاة مصر العمالقة، ومستشاريه الشرفاء، وسلم لرويبضات القضاء الذين عملهم الحقيقي في السلك الأمني، ينفذون فيه أمر القائد العسكري وكل طاغية جبار لا يؤمن بيوم الحساب، فمثل هؤلاء يفتقدون المهنية في القضاء، ويبتعدون عن تنفيذ القانون القضائي ويهدمونه لصالح كل من عارض وقاوم العسكر وثار في يناير على الحكم العسكري في مصر الكنانة، فهل سمعتم على مر التاريخ القضائي أن يقبل القاضي أن يوضع المتهم في قفص زجاجي حتى لا يسمع قرار الاتهام ويدافع عن نفسه؟ وهو حرمان للمتهمين من أبسط حقوقهم في الدفاع حتى ولو لم يقبلوا دفاعهم، بيد أن الذين يحاكمون تحت هذه الأقفاص إسلاميون وبعض طبقات هذه لشعوب لا تزال ترقص على انغام (تسلم الأيادي) رافعة صورة الإله الجديد (السيسي) تحت وطأة تربية أمنية إعلامية طال ليلها في مصر خاصة وفي عالمنا العربي عامة، ولكن المرجو أن هذه الأتونات القضائية ستنهار بإذن الله تحت صيحات أحرار الأمة المصرية والشعوب الحرة، وخاصة شعوب ثورات الربيع العربي ورجالاتها التي ستتنادى لرفض هذا الظلم، ومعهم كل أحرار العالم الذين سيعون درساً من قضاء مصنوع في معسكرات الأمن، الذي استولى على الحكم في شعوبنا، ولك الله يا مصر العروبة وغداً ستشرق شمس الحرية على دماء الشهداء.
د. عبد الله بجاش الحميري
سقوط قضاء مصر 1257