في زمن التشطير كان السلام الوطني يدوي في عدن وكل أرجاء ما كان يُعرف بـ"الشطر الجنوبي"، "بلادي بلادي بلاد اليمن" وكان صداه يتردد في صنعاء وكل ربوع الشمال ـ حقاً شعب واحد كان في دولتين، ومن عدن ردد اليمانيون ورددت معهم كل اليمن من (أقاصي حوف حتى كمران) سيمفونية (رددي أيتها الدنيا نشيدي) وبلغ صداه أصقاع المعمورة مردداً (ردديه وأعيدي وأعيدي)..
وبعد عقدين على الوحدة وبعد أن أنشد اليمانيون "رددي أيتها الدنيا نشيدي" وفعلاً رددها العالم، تراجع البعض وارتد عن "وحدتي وحدتي يا نشيداً رائعاً يملأ نفسي"، وسواءً فاض ما بالنفوس أو خوت تلك الأنفس التي تلوك "بلادي.. بلادي.. بلاد الجنوب"، فيرد الصدى النزق في الشمال "في ظل راية ثورتي"، ماذا تبدل حتى صرنا شعبين في دولة الوحدة؟!!
اليوم وبعد يوم ويوم على إنجاز الحوار الناجز ـ لاشك أنه إنجاز ـ والشعب ينتظر تحوله إلى منجز يطوي مرحلة التشظي وعصر الانقسام وحقبة الكفر بالوحدة وزمن الإنسلاخيين وكل ما مثل في مجمله أصداء لممارسات السلطة ومساوئ النظام وفشل الحكومات وفساد معزوفاتها ولتبق وتظل اليمن الواحدة الموحدة تنشد لوحدتها.. "أنتِ عهدٌ عالقٌ في كل ذمَّة"..
اليمن كبيرة بتاريخها الذي تجاوز الجغرافيا وبشعبها "أولو قوة وبأس شديد" وبعمقها الحضاري وإرثها الإنساني "الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية والفقه يماني"، وبأرضها وترابها ومائها وسمائها ـ وبشجرها وحجرها إنها "بلدة طيبة ورب غفور".. إنها اليمن موطن السامية الأولى ومهد العروبة وموئل التاريخ والأمجاد..
اليمن كبيرة عندما أنشدت: "ومسيري فوق دربي عربيا" ولذلك أنشد معها أشقاؤها العرب جميعاً هذه "السيمفونية" الرائعة "اليمن أكبر والله أكبر".. نعم اليمن أكبر عندما تنشد بفخار واعتزاز "عشت إيماني وحبي أممياً" ومعها أنشد العالم نشيدها، اليمن واليمنيون ينشدون اليوم وكل يوم "لن ترى الدنيا على أرضي وصياً"، ومتى ما وصلت هذه المقطوعة الأخيرة إلى أسماع الأشقاء والأصدقاء؛ فإن البعيد قبل القريب سيدرك صداها ووقعها ومغزاها وسيرفع القبعة أو العقال" يومها؟!!
لقد آن لصوت الحكمة أن يعلو ولما سواه أن يخفت ويخبو بل أن يصمت، يجب توجيه الطاقات الكامنة في الوطن ـ شعباً وأرضاً ـ ودولة للبناء لا للهدم، قد نختلف مع النظام، لكن لا يجب الاختلاف مع الوطن أو الخلاف فيه حتى لو كان الوطن مجرد فضاء نتوه في آفاقه أو مكاناً ننام على رصيف شارع أو قارعة طريق ليلاً أو نغفوا في قيلولة ظهر يوم ما في إحدى شعابه ووديانه أو على ضفاف وادٍ أو شاطئ بحر فيه ومع ذلك فالوطن هوية وهوى وبيت وأسرة وأم وأب وأغنية ونشيد من أناشيد العقيدة والإيمان.. ولذلك يجب أن نستمر في إنشاد "وسيبقى نبض قلبي يمنياً.. وسيبقى نبض قلبي يمنياً".. والله من وراء القصد..
محمد عبد الملك القارني
سيمفونيات يمنية!! 1357