رداع منطقة من اليمن تضم خلالها سبع مديريات هي ( رداع – العرش – صباح – الرياشية – القريشية - ولد ربيع – الشرية ) وتضم خلالها ربع مليون مواطن، تم التقسيم الإداري فيها على أساس قبلي بامتياز، وتضل مديرية المدينة هي التقاطع الذي تلتقي عنده كل هذه المديريات، وهي الخط المشترك الذي قد يجمعهم، وعلى بساطه يتم تصفية حساباتهم .
لا تكاد ترى أيّاً من أبناء هذه المديريات يُعَرِف نفسه خارج هذه المنطقة إلا أنه رداعي، و سبب ذلك الكثير من اللغط لدى الناس والسياسيين، إذ يتم التعامل مع رداع على أنها مديرية رداع فقط , المشكلة هذه لم تكن قائمة في خارج رداع، بل أنها قائمة حتى داخل هذه المنطقة، فهناك عدم قدرة على الفصل بين إيرادات معينة لهذه المديريات عن مديرية المدينة التي تستحوذ على الكثير من العائدات كالضرائب والرسوم التي يتم تحصيلها من الاتصالات باسم النظافة وتحسين المدينة وغيره من المشاكل الإيرادية التي لا تزال محل خلاف بين المجالس المحلية لهذه المديريات المحيطة برداع مع مديرية المدينة .
لكن التعامل مع رداع على أنها مديرية واحدة جعلها تعاني الظلم الكبير تنموياً، فمثلاً نجد أن رداع بمديرياتها السبع يوجد فيها مستشفى مركزي لكنه لا يكاد يعمل كمركز صحي ويراد له أن يكون على الهامش بينما توجد في مديرية المدينة 8 مستشفيات خاصة لتغطية غياب الخدمة الصحية الحكومية, كما لا تتواجد مؤسسة المياه في مديرياتها السبع إلا في مديرية المدينة بدون تغطية كاملة ( مع أن المشروع كان هدية من حكومة هولندا ) وفي مديرية العرش فقط في مدينة ملاح . وكذلك لا تكاد تجد التنمية بشكل فعلي في هذه المنطقة, فكان غياب البُعد التنموي سبباً لاستهداف رداع بسبب حنق أبناءها لتغييبهم من جهة الدولة, ولولا الالتفاتة الكريمة لحكومة هولندا ببعض المشاريع التنموية التي سجلت نوعاً من التواجد لشهدت الكثير من التراجع في مسالة التنمية لا يكاد تتصوره .. بل إن الثلاثة المشاريع التعليمية الكبيرة داخل مديرية المدينة هي منحة من رجال الأعمال أبناء رداع, وكأن رداع يتم التعامل معها على أنها جهة إيرادية فقط لا تحتاج إلى التنمية بدعوى الصراعات القبلية, حتى تاريخ رداع يتم تجاهله اليوم فقلعة "شمريهرعش" الشامخة وسط المدينة تتهدم ولا من يلتفت إليها .
فكانت رداع محل صراع للتصفيات السياسية حتى بعد ثورة 26 سبتمبر، وظلت عليه نظراً للاستقطاب القبلي داخلها وسهولة تواجد السلاح .. وكذلك نظراً لموقعها الاستراتيجي الذي يتوسط كثيراً من القبائل التي يمكن أن تمتد إليها النزاعات فيما لو تفجرت في رداع .. فلذلك ظلت رداع محل نظر لكل من أراد الدخول في ملعب التصفيات السياسية، فسهولة التحرك ما بين قبائلها مغرية لكل متمرد .
ولذلك حسب رواية كثير من كبار السن حرص النظام السابق أن يضع في رأس التواجد العسكري في منطقة رداع قائد عسكري معروف مقرب من الأسرة الحاكمة السابقة وهو ( مهدي مقولة ) هذا الرجل خلال تواجده في رداع كان متهماً بأنه كان السبب في إيجاد مشاكل كبيرة جداً لشغل هذه القبائل بالصراعات فيما بينها .
وبعد الأحداث الأخيرة .. تم اختيار رداع لتكون ملعباً لتصفيات سياسية قذرة لقربها من فتيل المناطق الوسطى، وقربها من مأرب و تقع على حدود يافع و البيضاء وأبين وكلها مناطق يراد من رداع أن تكون بؤرة الصراع من خلالها .
اليوم تجري خلال شوارع رداع اغتيالات تستهدف من خلالها نشر الفتنة الطائفية بعد فشل الفتنة السياسية والفتنة القبلية ، فهناك طرف ثالث يلعب بين أنصار الشريعة وأنصار الحوثيين، لكي يتم إشعال فتيل الحرب الطائفية وتعميمها من خلال رداع .
النفوذ القبلي في ضواحي رداع سمح للجماعات المسلحة بالاستقواء، كما أتاح تواجد الجهل المطبق واستهداف تغييب الدولة إلى تشجيع قيام الجماعات المسلحة، وهناك عمل شبه منظم يتم القيام به هنا وهناك من قبل أطراف تشعر أن مخططاتها تخرج من قمقم واحد، حتى لكأنك ترى أشخاصاً ذوي مكانة قبلية كبيرة تتدنى إلى أن تسعى بالتحريش بين بعض الجهات في قبائلها لتغذية الصراعات والانفلات الأمني داخل رداع .
أخبار التقاء أحد أعمدة النظام السابق في جهاز أمني مخابراتي قبل فترة مع مجموعة من مشايخ ومراكز القوى المناصرين له في منطقة رداع أثار أكثر من علامة استفهام، إضافة إلى خبر صرف ستين مليون ريال في ذلك الاجتماع، والأحداث التي مرت بعد ذلك أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن رداع هي ساحة لتصفيات سياسية وليست صراعات قبلية فلقد تعبت رداع من الثارات وقد تم إفشال كثير من هذه التحركات في هذا الجانب.
أطراف لا بد من الإشارة إليها لتدخلها في الصراع الحالي داخل رداع .. فهناك تنظيم أنصار الشريعة الذي يعتبر مخترقاً ويتم جعله كشماعة لتمرير الكثير من الانتهاكات عبره في ظل بُعد هذا التنظيم وأنصاره عن الإعلام، وفي ظل إشاعات تروج عن هذا التنظيم تصدقها حماقات ترتكب بواسطتهم، فيتم تحميلهم كثيراً من تبعات الانفلات الأمني وإشعال الصراع داخل المنطقة، كما يتم تحميلهم أكثر من حجمهم .
الجهة الثانية : النظام السابق الذي أصبحت بصماته واضحة من خلال الكثير من مسلسلات الأحداث، كما أن كثيراً ممن يحسبون عليه تراهم في كثير من أعمال الشغب و قطع الطرقات، كما تثار ألف علامة استفهام حول مهمة اللجان الشعبية التي تم إنشاءها بواسطة أركان النظام السابق بكاملها من حزب المؤتمر الشعبي العام، وبمخصصات مالية شهرية تصرف لهم عبر معسكر الحرس الجمهوري سابقاً.
ومن الجهات التي يلقى عليها حمل تبعات الانفلات الأمني برداع الحرس الجمهوري الذي كان متواجداً خلال الفترة الماضية في رداع و تم استبداله مؤخراً، فهذا اللواء سعى بالتعاون مع جهات عدة بتسهيل دخول القاعدة إلى رداع واحتلالها دون إطلاق طلقة واحدة، وكذلك حاول قائده الزج بالجيش في معركة لتأجيج الصراع خلال أحداث المناسح الأخيرة، رغم أن التوجيهات جاءت لمحاولة عقد التصالح مع القيادات القبلية التي تؤوي القاعدة ولكن قائد هذا اللواء تحرك بصورة مفاجأة ليدخل الجنود في كمائن كأنها كانت مرتبة.. ولأن هذا اللواء كان المستفيد الأبرز من الأحداث، فقد تحكم بعد ذلك في منطقة رداع بشكل كامل.. ولكنه بعد فشل تأجيج الصراع بواسطة القاعدة واحتلالها لرداع، وإنهاء هذا الاحتلال بالحوار بحكمة لا متناهية تحلت بها قبائل المنطقة، حاول هذا اللواء في أكثر من مرة زج الجيش في أتون صراعات قبلية بواسطة تصرفاته الهمجية التي كان آخرها تمرد أفراد من اللواء على قائدهم والذي أكدت الأيام أن ذلك التمرد مختلق بواسطة قائد المعسكر والمنطقة بغرض محاولة إدخال الجيش في معركة مع القبائل وهذا ما لم يتم.. ليتبين بعد ذلك أن أفراد هذا اللواء هم من قاموا بحركة السبعين المشهورة خلال السنة الماضية والتي تم فيها احتجاجات لجنود هذا اللواء وتم فيها استهداف الحرس الرئاسي.
كما أن من الجهات التي تحمل تبعات الانفلات الأمني جهاز الأمن، فهناك الكثير من الأحداث التي تجعل بصمات العمل المخابراتي وراءها يكون واضحاً، فخلال الأحداث تجد جهازاً للشائعات يبث الرعب بين أبناء المنطقة، ويستهدف المدينة ليجعلها مدينة أشباح.. كما أن هناك من مشايخ الأمن الذين تثار حولهم الكثير من التساؤلات يظهرون بشكل بارز وراء كل مصيبة.
الدولة كان لها دور بارز بغيابها بشكل جاد برداع، فلا هي الدولة حضرت تنموياً ولا هي الدولة حضرت عسكرياً وأمنياً، ولا هي حضرت حتى إدارياً بشكل مشرف، فقد جعل النظام السابق رداع وكأنها فيد بما تحمله الكلمة من معنى، وأصبحت الآن مفرغة بدون مشاريع وبدون رقابة على مشاريعها القليلة والتي تترك بدون تخطيط.. كما أن غياب القوة الأمنية الرادعة في المنطقة وغياب أدوات الأجهزة القضائية (حيث لا توجد في رداع بمديرياتها السبع غير محكمة واحده) جعل من ذلك سبباً لتأجيج الصراعات وطغيان الكيان القبلي على كيان الدولة.
ولا ننسى هنا أن ننوه إلى دور أبناء المدينة، فقد جعلوا من أنفسهم أداة للتصفيات السياسية البعيدة عنهم والثمن دماؤهم.. وهنا لابد من تأطير كثير من الجهود، لمحاولة الخروج برداع، وحل مشاكلها التاريخية والآنية، لأنها بحكمة أبناءها لا تزال تقاوم هنا وهناك، لكن الوضع غير مؤهل لاستمرار الحكمة إلى ما لانهاية، والوضع فيها مؤهل بالانفجار، وإذا انفجرت رداع فستكون كارثة كبيرة، إذ لا تزال حروب المناطق الوسطى التي شهدها جميع السياسيين والقبليين قبل عقدين ماثلة شواهدها للعيان، لكن أطراف اللعبة هذه المرة تختلف، فالبعد الديني حاضر بقوة وإذا لم يتم تلافيه فإن الكارثة ستكون قريبة جداً ..
د.عمار التام
رداع ..المشكلة والسبب 1593