قوى الخير مقابل قوى الشر؛ الأولى قواها كثيرة لكنها متناثرة ويستلزمها قائد سياسي استثنائي موحد لشتاتها، بارع في توظيفها التوظيف الأمثل والناجع والايجابي.
الثانية قواها ضئيلة لكنها فاعلة ومؤثرة بما لديها من إمكانية ووسيلة جعلتها في موضع الممسك بزمام المبادرة وصناعة القرار السياسي السلبي إزاء كل عملية سياسية أو حركة أو ثورة يراد بها تغيير حقيقي وجوهري لمنظومة الحكم وأدواته وآلياته وبما يجعلها- جميعاً- في مصلحة المجتمع عامة.
الرئيس هادي في كلمته المرتجلة صباح الثلاثاء الفائت كان أكثر صدقاً ووضوحاً من الرئيس ذاته وهو يلقي كلمته المكتوبة في وقت حرج وعصيب كهذا الذي يتطلع فيه عامة الناس الى نهاية وشيكة لماراثون الحوار يكون للكلام المرتجل وقعه وسحره؛ فكيف إذا ما كان صاحبه هنا رئيس انتقالي وينتظر منه حلولاً ومعالجات سحرية ولكل مشكلاتهم وقضاياهم الحياتية والوطنية والاقتصادية والسياسية؟.
ربما الرئيس لا يعلم أنه مطالب الآن باتخاذ قرارات مصيرية يعول عليها إعادة البلاد والعباد الى سياقهما الصحيح المفترض المتقاطع كليا مع سياقات ماضوية منحرفة ضالة افضت بنا الى حافة السقوط في مجاهيل التمزق والتناحر والاقتتال الطائفي والجهوي والقبلي.
في ظرفية كهذا لا ينفع معها الكلمات الانشائية المنمقة؛ بل يستدعيها كلمة صدق نابعة من احساس عميق بعظمة المسؤولية والواجب. نعم مؤتمر الحوار وصل الى محطة النهاية وهذا انجاز تستحق عليه الرئاسة الانتقالية وامانة واعضاء المؤتمر الشكر والثناء.
ومع قيمة النتائج المحرزة نظريا ينبغي على الرئاسة من الآن أن تؤخذ على كاهلها مهمة القرار السياسي المحقق للدولة الاتحادية الجديدة باعتبارها الغاية التي ينتظرها معظم اليمنيين الذين تحملوا عناء التضحية والاستبسال في سبيل هذه الدولة الجديدة التي مازالت اسسها ومضامينها حبراً على ورق، ويُنتظر من الرئيس هادي لأن يكون ربانها المجسد لها في واقعهم الملموس بدلا من الافراط السفسطائي العبثي النظري المثالي.
نعم قوى الخير في مواجهة قوى الشر، وعلى اليمنيين أن يحددوا خيارهم، فإما الانحياز لوطنهم الجديد الذي ما زال مخاضه جنينا يستلزمه وقتا وجهدا ورعاية وحماية كيما يقف على رجليه ويخطو خطواته الأولى في جادة الدولة الناهضة ، وإما أن يتركوا وطنهم لقوى الشر والعبث كي تقرر مصيره بناء ورغباتها الانانية الفاسدة المدمرة لسبل الحياة العادلة الكريمة الآمنة اللائقة بهم كمجتمع يفترض انتمائه للعصرنة والحداثة التي ينتمي إليها ويعيش في كنفها.
أتأمل شمالا فلا أرى بارقة أمل غير مؤتمر الحوار ومخرجاته وضماناته! انظر جنوبا فينتابني القلق من فشل الحوار ومخرجاته! في كلا الحالتين يبقى الحل في قدرة الرئيس هادي على تجاوز مثالب وعثرات مراحل ماضوية مثقلة بالمشكلات المكبلة لانطلاقته خلال السنتين المنصرمتين .
ويبقى الحل في قدرته على لملمة شتات الخيرين، وفي إلهامهم وكسب ثقتهم كرئيس استثنائي وصاحب قرار يمكنه تغيير الصورة النمطية السائدة عنه وعن مؤتمر الحوار ومرحلة الانتقال.
الواقع بلا شك محبط وقاتم، ومع قتامته واحباطه الفت يميناً ويساراً, فلا أجد في السيناريوهات المحتملة بديلا ناجعا يمكنه سد ثغرة اخفاق مؤتمر الحوار.
المزايدون سيقولون لك: مؤتمر الحوار لا يعني لنا شيئا، ومؤتمر الحوار فشل فشلا ذريعا ليس على صعيد معالجة القضية الجنوبية فحسب وإنما أيضا اخفق في بلورة حلول عملية وواقعية لمشكلة صعدة والعدالة الانتقالية والحكم الرشيد وبناء الدولة.
ومثل هذه الانتقادات الطاعنة بجدوى المؤتمر ومقرراته لا أجد بالمقابل ثمة بديل سياسي متوافر لدى هذه الاصوات القادحة اليوم بمؤتمر الحوار وبوثيقة الحلول والضمانات ، فكل المتوافر لدينا الآن لا يتعدى مسار مؤتمر الحوار وما يسفر عنه من نتائج محددة لطبيعة الدولة اليمنية الاتحادية المستقبلية.
هذه الدولة الفيدرالية وعلى اشكالياتها وتعقيداتها المثبطة لمعنويات الكثير منا تبقى في المحصلة الشيء الممكن والمتاح، وبرغم أنها المتاح والممكن والمتوافر مقارنة بتعقيدات ومشكلات البدائل الأخرى تواجه الآن وبشراسة من القوى القديمة الجديدة، فهذه القوى وأيا كان تموضعها ومعركتها المخاضة اليوم يبقى موقفها رافض لكل الحلول الممكنة وتبقى وسيلتها واحدة هدفها القضاء على المتاح والمتوافر الذي ترى فيه بعبعا مقوضا لمصالحها فيما قوى الخير ترى فيه يمناً جديداً موحداً نقيضاً لليمن الواحد الكائن بشعبين.
محمد علي محسن
لا بديل لمؤتمر الحوار!! 1738