إن تبادل السلطة بالطرق السلمية وتوحيد شرعية الشعب لأي حاكم ما زالت بعيدة المنال في العالم العربي، ومازالت الشرعيات متعددة والصراع بين الشرعيات محتدماً، وذلك لأسباب تتعلق بتركيبة المجتمعات العربية ذاتها، من الناحية الاجتماعية والسياسية والعقائدية.. فنحن- حتى الآن- ما زلنا في مجتمعاتنا نحتكم في الغالب إلى الأبوية والقبلية والعشائرية والطائفية والمذهبية وللجماعات الدينية، ولا نحتكم إلى الدستور والنظام والقانون، وهو ما يتعارض تماما مع الحكم الإسلامي المدني, الذي يستمد شرعيته من الشورى في اختيار الأمة للحاكم ولهذا فالمجتمعات الغربية نجحت في تداول السلطة بالطرق السلمية لأنها قد تجاوزت التقسيمات الطبقية التي مازلنا نرزح تحت وطأتها، ولهذا فمعظم الانتخابات التي جرت قبل الثورات العربية وبعدها نجد أن الشعوب ما زالت تصوت في الانتخابات على أسس الارتباط الشخصي والديني والطائفي والعشائري والقبلي والجهوي والمناطقي وليس علي برامج تطويرية، ولا على أسس وطنية "بعبارة أخرى" فما زال الكثير في مجتمعاتنا عبارة عن تجمعات متنافرة من القبليين والطائفيين والعشائريين والمذهبيين والبلطجيين والمرتزقين والقومجيين والاسلامجيين. وإذا ذهب أحد للتصويت في أي انتخابات حتى لو كانت بلدية، فهو يصوت بحسب هذا التقسيم، ولا يصوت على أساس البرامج والكفاءة والوطنية، وهذا إرث رسخته الأنظمة التي حكمت البلاد العربية بعد خروج الاستعمار من بلادنا حكمت بطريقة "فرق تسد"، فالكثير من تلك الأنظمة التي لا تمت للوطنية بصلة, جاءت إلى السلطة وفي ذهنها ليس بناء أوطان جديدة بعد جلاء الاستعمار بل كوكيلة للمستعمر لا أكثر ولا أقل، ولهذا ظلت كل الأمراض العربية المتوارثة من قبل الاستعمار وجاء الاستعمار وقواها بسياسة "فرق تسد" وقسّم البلاد سياسيا، وبقت في بلادنا على حالها بعد خروجه، لا بل إن بعضها تفاقم واشتد بوجود الأنظمة الوطنية المزعومة، لأنها زايدت على الاستعمار في دق الأسافين بين أبناء الوطن الواحد كي تضرب المكونات الاجتماعية ببعضها البعض من أجل أن تعيش على تناقضاتها وصراعاتها، ولكي تبقى تلك المكونات منشغلة ببعضها البعض بدل التفكير بالثورة على رأس الفساد والإفساد في تلك المجتمعات, بينما أن التدافع السياسي في البلدان الديمقراطية يكون عادة على مشاريع سياسية غير مقدسة..
وهنا نلاحظ ما يحدث في مصر وتونس وسوريا وعندنا في اليمن مثلاً ما يشبه حرب داحس والغبراء أكثر من تدافع سياسي حضاري، وكذلك لنضع في الاعتبار أن تداول السلطة في الغرب لم تستقر إلا بعد أن اختفت الصراعات الدينية والمذهبية والطائفية والقبلية الضيقة، بينما مازال الصراع عندنا وفي العديد من بلاد العرب بين تيارات تأخذ هذا التقسيم، ولا تعترف بحق بعضها البعض في الحكم والسيادة ولهذا نرى هذا الاضطراب الخطير في بلدان الربيع العربي التي دخلت اللعبة الديمقراطية فوجدت نفسها بين سندان من يريد أن يحكم باسم الدين والعرق والمذهب، ومن يعتبرون أنفسهم أدعياء اللبرالية، وكذلك التيارات الإسلامية وما أدراك ما الإسلامية اليوم في مؤتمر الحوار أصحاب مشروع إفشال الحوار, لأن دخولهم الحوار هدفه إفشال الحوار كورم خبيث هذه مهمته..
وبناء على هذا الوضع فإننا بحاجة إلى صبر إيجابي على المقاومة والمواصلة ونحتاج إلى وقت طويل قبل أن تستقر المجتمعات المنبثقة من رحم ثورات الربيع العربي، وتمارس تبادل السلطة بالطرق السلمية والديمقراطية كما تمارسها المجتمعات الغربية.
ولنأخذ أبرز مثال على ذلك تولي مرسي الحكم في مصر بتأييد من أكثر من نصف الشعب، وكانت الانتخابات حرة، وبحسب قواعد الغرب كلها، وكان حكم مرسي قانونيا بحسب قواعد الغرب، لا بحسب قواعد البلدان العربية.. فقام الجيش- وبدعم من بعض حكام العرب- بانقلاب، وأدخل الرئيس وقادة حزبه في السجون وفرضوا خارطة الطريق وأمروا الكمبيوتر يطلع الفوز للاستفتاء مع فهمنا أن مرسي وأصحابه لم يكونوا في مستوى المرحلة, فكانوا ضحية لقواعد البلدان العربية المتخلفة ووجد العسكر مناصرين من الشعب المصري..
والله الموفق
محمد سيف عبدالله
الإيمان بأن إغتصاب الحكم جريمة 1251