مهما حاول الانقلابيون أن يشوهوا وجه مصر التاريخي والحضاري، ومهما حاولوا أن يغرقوا أبناء شعبها بالذل والعار، ومهما حاولوا قسراً أن يوجهوا بوصلته، ومهما حاولوا أن يأخذوا بأطراف تلابيبه نحو المجهول، ومهما حاولوا جر الشرفاء من أبناءه صوب العنف والدماء، ومهما حاولوا أن يستأسدوا على من تعودوا العزة والحرية والكرامة في كل الأحيان، ومهما حاولوا أ ن يطوعوا الشعب نحو العبودية والرضوخ لما يمليه "الجنرال والأربعين حرامي " ومهما دبروا من المكائد، وأعدوا من الشدائد، وسلطوا الرقاب نحو السيوف، وحاولوا جر الهامات الرفيعة صوب البنادق، ومهما استماتوا في القتل والإيغال في الدماء، مهما ومهما فلن يستطيعوا من النيل من عظمة مصر الكنانة التي حفظت موسى في نيلها، وهيأت له الحكم في قصرها، وعبَّدت أمامه الطريق للوصول بها نحو التاريخ والحضارة التي أصبحت تعرف بها اليوم نعم لن يستطيع الإنقلابيون أن ينالوا من أبناء هذا الشعب العظيم، ولن يفت في عضدهم كثرة الحراب الموجهة نحوهم، في مقالنا لهذا اليوم -أخي القارئ- اخترت لك قصيدة لا أريد أن أتحدث في ظلالها كثيراً أو في حواشيها لورعتها، ولأنها تحكي فصولاً من النضال والصمود واستردد الحرية والكرامة عنوانها الجميلة و أنّا، وهي للشاعر الدكتور جمال مرسي يقول فيها متحدثاً عن شعب لم تقهره الصعاب في استرداد حريته وكرامته
ستعود، و مَا كُنتُ بَعدَ التِّيهِ أَحسَبُهَـا*يَعُودُ مِن رِحلَـةِ التَّغيِيِـبِ مَوكِبُهَـا
ستعود و أَدمُعُهَا فِي العَيـنِ تَسبِقُهَـا*مِن بَعدِ مَا ضَلَّ فِي الإِبحَـارِ مَركَبُهَـا
تَمُـدُّ بِالصَّفـحِ كَفَّيهَـا، فَتَجذِبُنِـي*و القَلبُ كَادَ مِـنَ الأَشـوَاقِ يَجذِبُهَـا
أَغُضُّ طَرفِي، و فِي عَيْنَـيَّ أَسئِلَـةٌ*أَمُـدُّ أَشطَانَهَـا طَـوراً و أَسحَبُهَـا
فَهَل يَبُوحُ بِمَا فِـي الصَّـدرِ عَاتِبُهَـا*أَم يُضمِرُ السِّرَّ والشَّكـوَى مُعَذَّبُهَـا ؟
يَا بِنتَ جَنبَيَّ : عُدتِ اليَـومَ نَادِمَـةً*و فِي يَدَيـكِ مِـنَ الأَطيَـابِ أَطيَبُهَـا
و قَد عَلِمتِ بِمَن تَجرِيـنَ فِـي دَمِـهِ*بِأَنَّنِي لَـو عَصَـت نَفسِـي أُؤَدُّبُهَـا
و أَنَّنِي الرَّجُلُ السَّمحُ الَّـذِي شَهِـدَت*لَـهُ المَوَاقِـفُ، و التَّارِيـخُ يَكتُبُهَـا
أَذُودُ إِمَّــا أَبَــت إِلاَّ مُنَـازَلَـتِـي*يَدُ الخُطُـوبِ، فَأَفرِيهَـا و أَغلِبُهَـا
كُلُّ الفَضَائِـلِ فِـي دُنيَـايَ أُمهِرُهَـا*رُوحِي، و أَسعَى لَهَا سَعياً فَأَخطُبُهَـا
و كُلُّ شَمسٍ بِقَولِ الحَقِّ قَد سَطَعَـت*أَنَا الشُّرُوقُ لَهَا، و النَّاسُ مَغرِبُهَـا
حَاشَا لِرَبِّيَ مِن كِبـرٍ و مِـن صَلَـفٍ*و مِن خِصَالِ لِئَـامٍ، لَسـتُ أَقرَبُهَـا
إَنَّ الكِـرَامَ إَذَا مَـا حَدَّثُـوا صَدَقُـوا*يَخضَرُّ فِـي لُغَـةِ الأَبـرَارِ مُجدِبُهَـا
و قَد عَلِمتِ بِأَنَّ الصَّفحَ مِـن شِيَمِـي*و أَنَّهُ فِي رِيَـاضِ الـرُّوحِ أَرطَبُهَـا
و قَد صَفَحتُ، و سَامَحتُ الَّتِي شَرَدَت*عَنِّي، و كَـانَ مَـعَ الدُّنيَـا تَغَيُّبُهَـا
و كَيفَ لا ؟! و البِشَارَاتُ الَّتِي حَمَلَت*يَمِينُهَـا، كُـنَّ كَالأَعطَـارِ تَسكُبُهَـا
عَادَت بِعَودَتِهَا الـرُّوحُ الَّتِـي وُلِـدَت*مِن رَحْمِ "كَانُونَ"، و "التَّحرِيرُ" كَوكَبُهَا
شَتَّانَ مَا بَينَ أَمسٍ غِيـضَ مَنبَعُهَـا*فِيهِ، و يَومٍ أَرَى الأَنهَـارَ تَصحَبُهَـا
مِصرُ الجَدِيدَةُ، وَجهُ النُّورِ وِجهَتُهَـا*مِن بَعدِ أَن غَيَّـبَ الأَنـوَارَ غَيهَبُهَـا
مَرَّت ثَلاثُونَ مِن ظُلْـمٍ و مِـن ظُلَـمٍ*فِيهَا الفَسَادُ، و رَبُّ الـدَّارِ أَشعَبُهَـا
و اللاَّئِـذُونَ بِـهِ مَـا بَيـنَ مُنتَفِـعٍ*و بَيـنَ نَاهِـبِ أَمــوَالٍ يُهَرِّبُـهَـا
عِصَابَةٌ حَكَمَـت بِالبَطـشِ تَدعَمُهَـا*عِصَابَةٌ، مَذهَبُ التَّضلِيـلِ مَذهَبُهَـا
الغَدرُ خِنجَرُهَـا، و المَكـرُ مِئزَرُهَـا*و الفُجرُ مِنبَرُهَا، و الجَورُ مِخلَبُهَـا
مِثلُ الذِّئَابِ إِذَا اْصطَـادَت فَرِيسَتَهـا*أَو كَالخَفَافِيشِ، جُنحِ اللَّيـلِ مَلعَبُهَـا
تُرخِي عَلَى النَّجمِ فِـي آَفَاقِـهِ حُجُبـاً*مَنَ الضَّبَابِ، و عَينَ البَدرِ تَعصِبُهَـا
و كَم عَلَى فَمِ مَـن يَشكُـو ظُلامَتَـهُ*تُلقِي أَعِنَّتَهَا، و الشَّمـسَ تَحجُبُهَـا
و الشَّعبُ مَا بَينَ مَقهُـورٍ و منتَهَـبٍ*سِيقَـت إِرَادَتُـهُ لِلـشَّـرِّ يَسلُبُـهَـا
كَم نَكسَةٍ ذَاقَهَا صَابـاً، و عَلقَمُهَـا*كَأسٌ عَلَـى ظَمَـأِ الأَيَّـامِ يَشرَبُهَـا
و كَـم حَدَائِـقَ كَـانَ التِّبـرُ غَلَّتَهَـا*مِن فِعلِ شِرذِمَةٍ قَـد جَـفَّ مُعشِبُهَـا
و كَـم تَوَسَّـعَ فِـي الإِذلالِ أَضيَقُـهُ*وضَاقَ فِي مُقلَـةِ الأَحـلامِ أَرحَبُهَـا
و كَم و كَيفَ، و هَل أُحصِي لَهَا عَدَداً*نَارُ السُّؤَالِ عَلـىَ الآهَـاتِ تُلهِبُهَـا
مِصرُ الفَتِيَّـةُ مِـن بَعـدِ اْنتِفَاضَتِهَـا*لَن تَمنَحَ السَّـوطَ لِلجَـلاّدِ يَضرِبُهَـا
مِصـرُ الأبِيَّـةُ لَـن تَبقَـى مُقَـيَّـدَةً*و لَـن تُسَلِّـمَ لِلفِرعَـونِ يَصلُبُـهَـا
و لَن تَكُونَ سِوَى مِصرَ الَّتِي عَزَفَـت*لَحنَ الخُلُودِ، و شَدوُ النِّيلِ يُطرِبُهَـا
النَّصـرُ غَايَتُهَـا و الطُّهـرُ رَايَتُهَـا*و الصَّبرُ جَنَّتُهَا، و الخَيـرُ مَطلَبُهَـا
تُزَاحِمُ الشَّمسَ فِـي الآفَـاقِ هَامَتُهَـا*و يَلمَسُ النَّجمَ فِي الأَفـلاكِ مَنكَبُهَـا
أَقُولُهَـا بِلِسَـانِ الصِّـدقِ مُفتَـخِـراً*و فِي دَوَاوِيـنِ أَشعَـارِي سَأَكتُبُهَـا
مِصرُ الجَمِيلَةُ فِي أَعمَاقِنَـا سَطَعَـت*و لَيـسَ يَمنَعُهَـا غَيـمٌ و يَحجُبُهَـا
مروان المخلافي
الانقلابيون وتشويه وجه مصر 1226