شهد القرن العشرين أسوأ حادث تهجير بالعالم, حيث هجر أهل الأرض ليبقى المحتل والمستعمر سيداً في بلاد غيره.
كانت عمليه التهجير القسرية لمئات الآلف من الفلسطينيين تعتبر أسوأ عمليه تهجير .وشهد المهجرون بعد ذلك أسوأ أنواع التشرد والجوع والموت والدمار على مدى عقود من الزمن.
ورغم أن التهجير بذلك الوقت كان نتيجة إرادة دولية عالمية مورست على الفلسطينيين ونفذتها وحشية اليهود. كان ذلك التهجير تهجير القرن العشرين. وما يحصل الآن باليمن هو تهجير القرن الـ 21.
إن ما يحدث اليوم باليمن يتركنا نقف حائرين أمام ما يحدث في منطقة تسمى دماج مساحتها لا تزيد عن بضع كيلو مترات تقع شمال العاصمة صنعاء وكانت منبع للعلم الشرعي ومهوى محبي علوم السلف وكانت بعيدة عن السياسة والسياسيين ولم تكن رغم وجودها لأكثر من 30 عاماً مصدر قلق لا لليمن ولا لغيرها.
فجاءة وجدت نفسها هذه البقعة الصغيرة وجهاً لوجه مع حرب وعدو يريد أن يجتثها من على الأرض بحجة انهم أناس يتطهرون.
اكثر من ثلاثة اشهر وهذه البقعة تدك بأنواع مختلفة من الأسلحة والمعدات العسكرية المتطورة.. ومساجدها تفجر بالمتفجرات مع هتافات الموت لأمريكا والموت لإسرائيل. وحال هذه المساجد تبكي حالها وتنظر يميناً وشمالاً فلا تجد أي علاقة لها بأمريكا ولا بإسرائيل.
ثلاثة أشهر وأهل دماج بعيدون عن الإعلام يقتلون أو يموتون بالقنص أو بالجوع. ثلاثة اشهر وهم يستنجدون الحكومة والقبائل ورجال اليمن ونخوة اليمنين ولكن لا حياة لمن تنادي.
أخيراً قرروا التحكيم إلى رئيس اليمن لعلهم يجدون منه إنصافاً أو حلاً لمشكلتهم وخاصة وهم يشكلون جزءاً من اليمن ومواطني اليمن ولهم حق الحماية وحق الأخوة والنصرة. وصدموا بقرار الحكومة بترحيلهم من أرضهم إلي الحديدة على البحر الأحمر واخشي أن يطول الترحيل ويصبحوا غير مرغوب فيهم لا بالحديدة ولا بكل اليمن ويصبح حالهم كحال إخوانهم الفلسطينيين من قبل. لا هم بقوا بفلسطين وماتوا دفاعاً عنها وقبروا على ترابها الطاهر ولا هم اصبحوا عرباً واعترفوا بعروبتهم وسمح لها بالحياة المدنية. فهم إلى الآن يحملون وثائق فلسطينية وهي وثيقة عنصرية تمنعك من ممارسة حقوقك المدنية بكثير من دول العرب والغرب.
مشاهدتي لقافلة التهجير باليمن أعادت لي ذاكرة التهجير الشهيرة للفلسطينيين ودمعت عيناي عندما تذكرت أيام الطفولة وقسوة التشريد وهول الفجيعة التي مازالت بعقول كل أبناء ذلك الجيل.
إن ما يحصل باليمن اليوم جريمة تدخل ضمن جرائم الجنائية الدولية فهي تهجر أهل وطن وارض رغما عنهم وتشرع احتلال أرضهم وديارهم ونفي كل معارض. إن ذلك يشرع إلى قانون الغاب الذي يفرضه القوي على الضعيف.
الغريب بالأمر أن يتفق الحليف السعودي والرئيس اليمني على وجوب ترحيل أبناء هذه المنطقة وبمباركة من أحزاب ومنظمات حقوقية باليمن وبعيداً عن الإعلام.
إن اليمن اليوم يمر بمنعطف خطير فما يحصل بصعدة هو مقدمة لما قد يحصل بصنعاء وحجه والجوف وغيرها من المدن لاحقا. ومن سكت عن الترحيل اليوم سيرحل هو غدا. فانتم أمام اكبر عصابة تاريخية تستعد لإحياء الدولة الرسولية التي سلبت منهم والتي أذاقوا اليمن في ظل حكمها اشد أنواع القمع الطائفي والعرقي.
مازال لديَّ إيمان بان أهل اليمن واهل الحكمة لديهم القدرة على إعادة الحق إلى أصحابه وان يتوحدوا في القضاء علي بؤرة الفساد التي تجتاح الجسد اليمن من شماله وتتغلل في وسطه وتنعم بنشر أفكارها بجنوبه.
وأتمنى أن لا نجد أو نرى- مستقبلاً- أي ترحيل باليمن وان لا ينطبق عليهم القول" أُكلت يوم أُكل الثور الأسود".
عبدالباري عطوان
تهجير القرن 21 1478