كانت تعبر الشارع بأمان؛ لأنها اعتادت أن تمر منه كلما فكرت بزيارة أختها, لكن عصر ذلك اليوم كان مختلفاً حين همت بالعبور فمر من أمامها شخصان يقودان دراجة نارية وحاولا انتزاع شنطة اليد من على كتفها, لكنها تمسكت بها باستماته غريبة رغم أنه لا يوجد بداخلها سوى مبلغ بسيط من المال وبطاقتها الشخصية..
في هذه الأيام لم يعد مثل ذلك الحادث يثير الدهشة وقد اعتدنا أن نسمع كل يوم ونشاهد جرائم اعتداء واختطاف أكثر قسوة وبشاعة؛ لكن المؤلم في الأمر أنه حين تقع الكثير من تلك الجرائم يكون الشارع عادةً ممتلئاً بالمارة وبأصحاب البقالات والمحلات المختلفة ومع ذلك لا يحرك أحداً ساكناً إذا ما شاهد امرأة أو طفلاً يستغيث لذلك أصبح المجرمون أكثر جرأة على تنفيذ جرائمهم بدمٍ بارد وبكل طمأنينة وسهولة..
كان من المألوف أن يتسابق الرجال على إظهار فتوتهم وشهامتهم في مواقف كهذه فلا يعرف الرجل الحق إلا حين يكون سباقاً لنجدة الضعيف وإغاثة الملهوف وفي سبيل ذلك يكون على استعداد تام للتضحية بحياته مقابل إنقاذ شخص آخر.
فما الذي أصاب رجال اليوم؟ هل تصدعت أخلاقهم أم اندثرت نهائياً وأصبح الحديث عن صفات الرجولة الصحيحة نوعاً من الهزل وإيجاد ذلك النوع من الرجال, أصبح ضرباً من المحال..
الشباب اليوم بعيد جدا عن تلك الأخلاق, فهمهم مصبوب في كيف يقود سيارة فخمة ويمتلك جوال آخر موديل ويلبس موضة ليكون أكثر جاذبية في نظر الفتيات..
ورجال اليوم يتسابقون على من يكون له رصيد أعلى من الأسماء الأنثوية في جواله ومعارك الغرام هي مسرح التنافس بينهم..
يقول تعالى ((كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)) ويقول عليه أفضل الصلاة والتسليم: (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله عز وجل أن يبعث عليكم عذاباً من عنده ثم تدعونه فلا يستجاب لكم).
فأين أمة محمد من هذه الأوامر الإلهية, أأذلهم الخوف على أنفسهم وكلٍ غداً شعاره "حالي حال نفسي" لقد أصبحنا نخاف المشي في الشارع ليس فقط من هول ما نسمع ونرى من أذى ولكن لأننا نعلم يقيناً أن أحدنا لن يجد من يغيثه إذا ما أستغاث مستنجداً في زمن ماتت فيه صفات الرجولة الحق وماتت الضمائر في صدور الرجال، وصدق الشاعر القائل:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فأن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.
جواهر الظاهري
بداية الضياع ...موت الأخلاق 1441