من وجهة نظري كمحلل سياسي أن هذه الوثيقة إن لم يتم تعديلها فستخلق هويات عديدة تتصارع على السلطة والثروة "الحكم" ستؤدي إلى تقسيم اليمن إلى دويلات متعددة في المستقبل القريب ومن خلال ذلك سأتطرق إلى بعض العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى هذا التقسيم من خلال مقارنة بينها وبين اتفاقية نيفاشا الخاصة بجنوب السودان وبعض الملاحظات حول بعض المبادئ في هذه الوثيقة ونصائح إلى بعض القوى السياسية وصناع القرار والمجتمع الدولي.
نيفاشا السودان تتكرر في اليمن
إن اتفاقية نيفاشا بين شمال السودان وجنوبه تم توقيعها في يناير 2005م في منتجع نيفاشا بكينيا، وقد جاءت هذه الاتفاقية كحصيلة لاتفاقيات ست سابقة بين شمال السودان وجنوبه، وبناء على تلك الاتفاقيات التي تضمنت الاتفاق حول المناصفة "التقاسم" في كل من الأمن والجيش والسلطة والثروة وأيضاً ترسيم الحدود وحقوق الإنسان وكذلك الاستفتاء بعد ست سنوات، فإننا نستطيع القول أن وثيقة بن عمر كوثيقة واتفاقية واحدة كحل للقضية الجنوبية بين شمال اليمن وجنوبه حالياً احتوت واختزلت بصورة شبيهة إلى حدٍ ما كل تلك الاتفاقيات الست التي انبثقت عنها اتفاقية نيفاشا الشاملة والأخيرة بين شمال السودان وجنوبه في وثيقة واحدة لحل القضية الجنوبية في اليمن "وثيقة بن عمر"، ووجه الاختلاف في رأيي يدور حول بند صريح وواضح ينص على حق تقرير المصير، وقد نص المبدأ رقم (2) بطريقة ذكية غير واضحة على حق تقرير المصير بما جاء في المبدأ "وفقاً للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" الذي تحتوي ثلاث مواد منه عن هذا الحق.
مبادئ تحتاج إلى دراسة وتعديل
وهذه المبادئ هي: تعديل المبدأ رقم (2): الشعب في اليمن حر في تقرير...إلخ وبدلاً من وفق ما ينص عليه العهدين الدوليين يتم تعديله من وجهة نظري "بما لا يضر المصلحة الوطنية العليا للدولة الاتحادية وأمنها القومي".
أما فيما يخص السطات الثلاث (التنفيذية، التشريعية، القضائية) فيمكن تعديل البند(المبدأ) رقم (9) بالآتي:
1-فيما يخص السلطة التنفيذية: الجيش والقوات المسلحة والأمن:
أ-حيادية الجيش من المعروف للساسة والمثقفين وعموم الشعب وصناع القرار أن الجيش في أي دولة ديمقراطية وطني ومحايد، وكسياسي أتحدى نخب السياسة وصناع القرار في بلدنا أن يذكروا لنا دولة ديمقراطية فيدرالية واحدة في العالم تم التحاصص والتقاسم في جيشها بين الأقاليم سواء كانت عربية أو إقليمية أو دولية.
ب- حول الأجهزة الأمنية: يمكن أن يحتوي الدستور نص على أن يتم إنشاء:
- شرطة محلية خاصة بالأقاليم: وتهتم بشؤون الأقاليم
- شرطة فيدرالية توضح مهامها: مثل قضايا أمن الدولة والأمن القومي للدولة وكذلك في حالة وجود طائفية أو عنصرية أو مناطقية....إلخ
ج- اختصاص كل منهما وضمان عدم تداخل الاختصاصات والتنازع مستقبلاً.
2- فيما يخص السلطة التشريعية: مجلسين لا مجلس واحد:
أ-مجلس النواب: ويمثل الشعب، حيث تكون نسبة التمثيل فيه بالتوافق مثلاً 50% للشمال ومثلها للجنوب بشرط أن يكون هذا التمثيل عن طريق الانتخابات الديمقراطية، ومن خلال نوع نظام الحكم والنظام الانتخابي الذي سيتم التوافق عليه يتم تعيين الرئيس وتشكيل الحكومة.
ب- المجلس الفيدرالي: ويمثل الأقاليم ويهتم بشؤون الأقاليم وتكون نسبة التمثيل فيه بالتوافق وأما طريقة أو كيفية الحصول على العضوية فيه فكل إقليم يختص بشأنه أما عن طريق التعيين أو عن طريق الديمقراطية.
ج- ضرورة أن ينص الدستور الجديد على صلاحيات كل منهما وضمان عدم التداخل والازدواج والتنازع مستقبلاً فيما بينهما.
3- فيما يخص السلطة القضائية: وفي اعتقادي أن الرؤية الآتية جيدة:
أ-قضاء خاص بالأقاليم: ويهتم بشؤون الأقاليم وصلاحياته تكون ضمن الأقاليم
ب- القضاء الفيدرالي (محكمة فيدرالية عليا): ويتم تحديد صلاحياته بما يضمن استقلالية قضاء الأقاليم، ووظيفتها النظر في القضايا التي تمس الوحدة الوطنية والأمن القومي وغيرها في حالة حصول اختلاف أو ازدواج دستوري بين الأقاليم في القضايا التي تحدث في الأقاليم، كذلك خلال مراجعة الدستور بما يواكب التطورات والمتغيرات العصرية.
ج- أن يعمل الدستور الجديد على ضمان عدم تداخل الصلاحيات والمهام لكل منهما..
أما المؤسسات الأخرى التي يجب أن تكون حيادية لما لها من تأثير أو استغلال من قبل القوى والنخب السياسية في صنع القرار فيجب أن تكون هنالك معايير جيدة للتوظيف فيها مثل وزارة الدفاع والإعلام والاستخبارات في حالة تم التوافق على استقلالية مثل هذه المؤسسات.
وفيما يخص المبدأ (11) يتم إضافة الآتي إلى هذا المبدأ "فيما يخص اجتزاء حق من حقوق المواطنة المتساوية التي تقوم عليها الدولة المدنية (حق المشاركة السياسية) بغض النظر عن الإقليم وفي أي إقليم".
وأما المبدأ رقم (11) والخاص بتحديد الأقاليم فيمكن القول أن إقليمين يعني الانفصال وتفتيت للدولة وانهيارها، حتى ستة أقاليم على أساس شمالي وجنوبي فيها خطورة ولكن ليست بخطورة إقليمين، وما احتمال الانحلال للدولة التي نشرها معهد تشاثام هاوس التي ترى "أن الشمال سينقسم إلى دويلات بين مراكز القوى المتصارعة فيه، والجنوب سينقسم أيضاً إلى دويلات ويحدث تحالف بين الحراك وتنظيم القاعدة، وكذلك انهيار الدولة "الانحلال" وتعًرض القيادة العليا للدولة للاغتيال" إلا كصورة بدأت مؤشراتها تظهر في أرض الواقع إذا لم يتم تفاديها والحد منها والقضاء عليها مستقبلاً قبل أن تستفحل.
إلى صانعي القرار والحزب الاشتراكي
عليكم معرفة مدى قدرتكم للتأثير على الشارع في المحافظات الجنوبية وقبولهم لكم (امتلاككم قاعدة شعبية): شعبيتكم في المحافظات الشمالية أكثر ولا تمتلكون أي شعبية كبيرة في المحافظات الجنوبية إلا نسبة ضئيلة، وبإصراركم على هذا النحو سيفقدكم تلك الشعبية، والقوى الأكثر تأثيراً هناك هي الحراك الجنوبي وتنظيم القاعدة، أما عن تصرفاتكم في الماضي والمناصب التي شغلتموها فأنتم أدرى بها.
وأنتم تعرفون أيضاً خطورة التهديدات التي تدور حولكم من بعض القوى الشمالية وبعض القوى الجنوبية (الحراك الجنوبي)، فهي كثيرة وما ملخص خطاب البيض بقوله: "المشاركون في الحوار أشخاص ومكونات وهمية ومخرجات مؤتمر الحوار غير ملزمة للجنوب والحراك الجنوبي لن يقبل بذلك"، وكذلك أحداث وزارة الدفاع ومحاولة اغتيال ياسين نعمان الأخيرة إلا دليل على ذلك.
دور المجتمع الدولي في اليمن إلى متى؟!
وبخصوص الدور الذي يناط بالمجتمع الدولي القيام به فيما يخص الشأن اليمني حالياً وفي الفترة القادمة لم تتناول الوثيقة بشكل واضح دور المجتمع الدولي بشكل واضح وأيضاً تزمين هذا الدور.
وفي الأخير على المجتمع الدولي أن يدرك أن اليمن ليس السودان وكل بلد له خصوصيته فاليمن فيه قوى فكرية وإيديولوجية متنوعة منها الاشتراكيين والإخوان المسلمين والحوثيين والسلفيين والحراك الجنوبي وتنظيم القاعدة وغيرها من القوى الأخرى، والتي تتصارع أغلبها فيما بينها بدعم إقليمي في شمال اليمن وجنوبه، كذلك مشكلة الحضرميين الذين لا يريدون إلا دولة مستقلة لوحدهم، والانهيار السريع للدولة وأجهزتها الأمنية وفشل الحكومة الذريع و.... إلخ، كل تلك العوامل من وجهة نظري ستقسم المقسم، حيث إذا أنفصل الجنوب فسينقسم إلى جنوبين أو أكثر والشمال إلى شمالين أو أكثر وستفشل الدولة طبقاً لرؤية معهد تشاثام هاوس من وجهة نظري.
خاطر مقبل الفيصلي
عن وثيقة بن عمر ووحدة اليمن 1332