تأثرت كثيراً من قسوة البرد وتألمت كثيراً من شدة الجوع وتخوفت كثيراً من عتامة وتأخر الوقت من الليل ونحن مسافرين وعلى احدى الخطوط البعيدة والمشبوهة والخالية من كل شيء تقريباً, وإذا بنقطة عسكرية لا يتجاوز أفرادها عدد أصابع يدي اليمنى.. المهم.. استبشرنا بخير وإذا بأحد الجنود عندما توقفنا للتفتيش يقوم بواجباته الإنسانية والوطنية تجاه شعبة ووطنه.. وهو يصارع شدة البرد وغمرته وقسوة الوضع والشعب وزمرته.. بالرغم من الإمكانيات المتواضعة التي بحوزتهم يخجل أحدا أن يذكرها, بالرغم من أن السقيع والثلج ربما يطغي على المكان.. فطلبت من الجندي أن يدلني على مكان أو محل اقتني منه بعض الأغراض الإسعافية التي ربما تهدي من قسوة البرد والم الجوع عند الطفل الذي بجواري.. رد عليا.. خجولاً.. لا اعتقد أخي الحبيب أن تجد محل أو دكان في هذه الساعة المتأخرة من الليل وخاصة في هذه الأرض القاحلة.. فطلب مني أن انتظر لحظات حتى عاد من تلك العربة وهو يحمل بين يدية بعض الأطعمة والمعلبات المتواضعة التي كانت ربما مخزون حاجته فقط.. ثم خلع الجبة أو ما يسمى الجاكت العسكري من فوق جسمه النحيل.. فرفضت ذلك.. فاذا به يحلف ذلك القسم الثقيل الذي ربما يقف عنده لفظة المواطن اليمني.. فتلبدت وتوقفت لساني عن إكمال الحديث معه.. فو الله لم استطيع أن أتمالك نفسي من البكاء ومن غزارة الدموع التي أنستني قسوة البرد والم الجوع.. وشعرت بالذنب وبالألم والقسوة والتهميش والتحريض والإهمال منا كالشعب وكمواطنين تجاه هذه الكوكبة من البشر التي تضحي وتجاهد وتعاصر مرارة الوضع والتهميش من قبل الجهات المعنية والمسؤولة والشعبية.. ناهيك عن تلك الأيادي الخبيثة التي تطال حياتهم وتعتدي عليهم وتجعلهم يعيشون في اضطراب وقلق متواصل وهم يتواجدون ويضحون وينتشرون ويتحملوا مرارة القسوة من كل الجهات.. حتى لم يسلموا من الأبواق الإعلامية التي لا تقدر حتى ولو القليل من تلك التضحيات مهما وجدت من سلبيات ومن إخفاقات ومن إهمال من بعض المكونات الأمنية والعسكرية لكن لا يعني ذلك أن نغفل و نتجاهل مثل هذه التضحيات والمخاطرات والقسوة التي تطال الجيش والأمن في هذا البلد.. بالذات.. فينبغي علينا كالبشر وكا شعب ونحن نعاني ونشكو ونتألم.. أن نتعاون ونساند وندعم تلك العيون الساهرة قدر المستطاع حتى ولو بالقليل.. وهذه حقوق وواجبات متبادلة بين الشعب والأجهزة المعنية.. لكن في بلادنا ربما عكس العالم اقتصر فهمنا على أن الجندي والشرطي هو المسؤول وهو الغريم وهو المتهم عند كل نائبة وحادثة تحصل في هذا الوطن.. فالمواطن هو حلقة الوصل بين ما يحصل في مجتمعه وبين الأجهزة الأمنية.. حتى يتضح الأمر ويعرف الخلل وتنكشف منابع المخالفين والمعتدين والمتقطعين والسرق والقتلة والمجرمين والخارجين عن النظام والقانون.. فينبغي على كل من في قلبة مثقال ذرة من الإنسانية ومن الوطنية أن يفعلها وينشطها في نشر مثل هذه السلوكيات الإيجابية والأخلاق والمعالم التي باتت فرض عين على كل مواطن وخاصة في هذه المرحلة التي يمر بها الوطن فالمنقلبات والمنعطفات خطيرة وهامة وعلى الجهات المسؤولة والمكونات الشعبية والسياسية أن تضاعف الجهد والدعم اللامحدود لهذه الشريحة الهامة من الشعب وعليها أن تقوم بواجباتها الوطنية.. والإنسانية.. وحتى لا نظلم انفسنا ونظلم الجيش والأمن.. ونصبح جميعا نعاني من البرد والجوع والمخافة.. والله المستعان.
د.فيصل الإدريسي
عندما نظلم..العيون الساهرة! 1365