•ماذا ينتظر المسئولون في هذه البلاد اكثر من الفوضى الممنهجة والعنف المدبر والحرائق المتناثرة التي تشهدها المحافظات الجنوبية والشرقية, والتي أخذت شكلاً درامياً وصل إلى حصار المعسكرات والاعتداء على المنشآت العامة وإضعاف سلطة الدولة التي بدأت تفقد سيطرتها على عدد من المناطق لتحل محلها المليشيات المسلحة للحراك والتي يبدو أنها تسابق الزمن بهدف فرض وقائع على الأرض مختلفة عن خيارات المتحاورين في الموفنبيك؟
•وماذا تنتظر حكومة الوفاق الوطني اكثر من الاحتقان الذى فلت من عقاله في محافظة حضرموت منذ الإعلان عن (الهبة الشعبية) أوائل الشهر الماضي والتي وإن تسترت بمطالب حقوقية فإنها في جوهرها تتجه نحو غايات لا علاقة لها بتلك المطالب بعد أن كشفت الأحداث بان من خطط ومول لتلك الهبة الشعبية أراد شيئاً أخر بدليل إصرار من يقفون وراء هذه اللعبة الجهنمية على إفراغ حضرموت من أي وجود رمزي للدولة اليمنية وإخلاء مدنها من قوات الأمن والجيش وتحديداً تلك التي تضم بين أفرادها عناصر شمالية بوصفها عناصر (محتلة)؟
•وماذا ينتظر العقلاء؟ اذا ما بقي عقلاء في هذا البلد اكثر من ذلك الاحتقان المناطقي والجهوي الذى تتصاعد وتيرته ونبرات صوته في بعض المناطق الجنوبية والشرقية بسبب التحريض الواضح والخطير الذى يمارسه تيار علي سالم البيض والتيارات المتحالفة مع مشروعه الانفصالي ضد أبناء المحافظات الشمالية والذين اضطر الكثير منهم تحت التهديد إلى الرحيل القسري والعودة إلى الشمال تاركين مصالحهم وأعمالهم ناهيك عن عوائلهم بالنسبة لمن تزوجوا من المناطق الجنوبية بعد أن منعوا من اصطحاب زوجاتهم معهم رغم معرفة الجميع بالمخاطر التي قد تنجم عن مثل هذه الممارسات غير المسئولة التي لن تزيد الأمور إلا تعقيداً وصعوبة إن لم تدفع بالحلول إلى طريق مسدود؟
•وماذا ننتظر من قادة الأحزاب والتنظيمات السياسية والمنظمات المدنية والفكرية والثقافية والعلماء والفقهاء والوعاظ والمرشدين؟ اكثر من تلك الأعمال والأفعال التي تقوم بتغذية الفتن والضغائن والبغضاء والعداء بين أبناء الوطن الواحد ليس فقط من اجل تفكيك وحدة البناء الاجتماعي وتمزيق نسيجه وإنما الزج بهذا الشعب في صراع مفتوح قد يدوم لمائة عام كما قال هنري كيسنجر في وصفه للصراعات المقبلة في المنطقة العربية؟ وعلى من نعول في مواجهة ومحاصرة هذا الانحدار القيمي والأخلاقي اذا ما ظلت مثل تلك النخب غافلة أو متغافلة عن دورها ومسئولياتها الوطنية والدينية والتاريخية ومتمسكة بمواقفها المخجلة والباعثة على الابتئاس؟
•وماذا ننتظر نحن جميعاً .. وماذا تنتظر الدولة أيضاً اكثر من تلك التصريحات التي اطلقها علي سالم البيض عند اشتعال الهبة الشعبية في حضرموت والتي توعد فيها باللجوء إلى استخدم السلاح لفرض مشروعه الانفصالي بالقوة بعد أن استبدل اليمنيون حوار السلاح بسلاح الحوار واقتنعوا أيضا أن الحوار هو الأمضى وهو الأكثر فاعلية بعد تجربتهم مع السلاح طوال عقود متمادية من الزمن واكتشفوا أيضا أن السلاح لا يحل مشكلة ولا يجد حلاً لمعضلة رغم أن البيض وغيره من قادة الحراك الذين رفضوا الحوار يعلمون جيداً أن اليمنيين قد خاضوا العديد من الحروب الأهلية فيما بينهم أكان ذلك بين الشطرين أو على مستوى الشطر الواحد و لم تنتج تلك الحروب سيئة الصيت سوى الدمار والخراب والكراهية والأحقاد والويلات والماَسي التي لازلنا حتى اليوم ندفع ثمنها؟
ولذلك فلم يعد لمثل هذا الانتظار مبرراً واحداً إلا اذا كنا قد اقتنعنا باننا قد افتقدنا لكل الوسائل التي نحمي بها انفسنا وحاضرنا ومستقبلنا واننا قد دخلنا دورة تاريخية مرعبة ومكتوبة بالدم وصرنا ننتظر متى ننفصل ومتى نتقاتل ومتى نشيع هذا الوطن إلى مثواه الأخير ونهيل عليه التراب وانه اصبح لا حاجة لنا لخوض معارك للدفاع عن الذات والإرادة الوطنية التي انتصرت في مؤتمر الحوار المستمرة في قراراها واستراتيجيتها والتي يحاول اليوم بعض الخاملين عقلياً القفز عليها بتأجيج الفوضى وأعمال العنف ودعوات الفتنة المريبة في مؤامرة صارت في غاية الوضوح تجلى فيها من يخطط ومن يدفع المال ليس رغبة في التغيير وإنقاذ البلاد مما فيه وإنما بهدف تقسيمه إلى كنتونات متناحرة ومتنازعة فيما بينها على منطقة (فراغ) لن يملئها أي من هذه الكنتونات على الإطلاق.
وطالما أصبحت المؤامرة مكشوفة ومن يقفون خلفها ليسوا أشباحاً وإنما أشخاصاً لهم أسماء ووجوه ومراكز إقامة ولهم عناوين وهم من يعترفون بأدوارهم ومخططاتهم ويهددون بها سلفاً ويتوعدون بالمزيد فماذا تنتظر القيادة السياسية والأجهزة القضائية قبل أن يصدروا أحكامهم بتجريم مثل هؤلاء ومحاكمتهم بتهمة التحريض على العنف والخيانة الوطنية وتهمة التآمر على وحدة وامن واستقرار اليمن وليس هناك دلائل اكبر على إدانتهم مما يصدروا من أفواههم وما يتحدثون به في قناة عدن لايف التي تبث من الضاحية الجنوبية في بيروت وكذا في المواقع الإلكترونية.
فلو أن الدولة قد قامت عبر سلطتها القضائية بإصدار أمراً قضائياً بإحضار البيض وإبلاغ الإنتربول الدولي بذلك وقامت بمطالبة مجلس الأمن عبر الدول الراعية للمبادرة الخليجية باتخاذ الإجراءات العقابية بحق كل من يشعلون اليوم الحرائق في الجنوب وتحريض أبنائه على إخوانهم أبناء الشمال لوجدنا البيض وغيره ممن يتآمرون على وحدة البلاد والعباد يطلبون الصفح ولما تجرأوا مرة ثانية على التآمر على هذا البلد وإغراقه بالفتن خصوصاً بعد أن ارتسم المشهد بشكل واضح وأصغت السلطة لكل الحقوق المطلبية وبدأت بتنفيذ ما وعدت به ضمن القدرات الداخلية ولمس أبناء الجنوب حسنوا النية ذلك وأدركوا باليقين القاطع بان حركتهم استغلت في غير اتجاه مما تسبب في تشويها والإساءة إلى مطالبهم.
وإذا كانت مسئولية أبناء الجنوب اليوم تتمثل في تحصين محافظاتهم ومناطقهم من استغلال أولئك الذين يسعون إلى تحويلها إلى ساحة تغرق بالدماء فان مسئولية الدولة أن لا تقف مكتوفة الأيدي أمام هؤلاء العابثين وبالذات وإنها تمتلك العديد من الأوراق التي يمكن أن تستخدمها في مواجهة أعداء استقرار اليمن وطالما لدينا كل هذه المقومات فلماذا نهدرها ولماذا نضيع الوقت بينما هناك من يتآمر علينا ويترصد بنا ويدفع باليمنيين إلى سفك دماء بعضهم البعض؟
لقد حان الوقت أن نقول كفى ابتزازاً وإننا الذين لن نسمح بعد اليوم لجاهل يهددنا بلغة الحرب بعد أن نجحت لغة الحوار والتفاهم والإخوة الحقيقة في تبديد كل الهواجس من خلال خارطة طريق واضحة للمستقبل تقوم على العدل والإنصاف والمواطنة المتساوية واننا أيضاً لن نتسامح بعد الآن لمغامر أن يثقب السفينة التي نركب فيها ليغرقنا جميعاً معها.
علي ناجي الرعوي
هل ننتظر..متى ننفصل..متى نتقاتل ؟! 2095