في الفصل الثالث من كتابه " الفيدرالية في اليمن تاريخ الفكرة ومؤشرات الفشل" تحدث الناشط السياسي والكاتب والباحث المنهجي الأستاذ رياض الأحمدي عن" مؤتمر الحوار.. ثغرات تنسف المشروعية"، مؤكداً على أن مؤتمر الحوار جاء بدون سقف وبلا أرضية، وهو بذلك خالف الشرط الأول الذي جاءت به المبادرة الخليجية والخاص بأن يؤدي أي حل إلى الحفاظ على وحدة اليمن، وإن ما جرى ليس حواراً، بل أوكلت إليه مهام تشريعية تاريخية تتعدى صلاحيات المؤسسات الدستورية الديمقراطية وتقرر مصير البلاد، وإنه ليس وطنياً، فهو مقترح أمريكي بحت كما ورد على لسان سفير واشنطن في صنعاء جيرالد فايرستاين في تصريح سابق، وليس فكرةً جديدةً بل هو نسخة مكررة من مؤتمرات عقدت في بلدان مجاورة كان لها نتائج كارثية.
وكان أول تنازل عن الوحدة وعودة إلى ما قبل 1990، عندما تم إقرار التمثيل في هذا المؤتمر على أساس شمال وجنوب بـ50%، وهي المرة الأولى التي تدخل هذه التسميات بالمناصفة، منذ قيام الجمهورية اليمنية ، وفي هذا السياق والاطار تنبه الباحث إلى مسألة غاية في الأهمية والمحورية تتمثل بأن القوى الوطنية التي لا تطالب بالانفصال ولا بالتقسيم أقلية داخل الحوار ، كما أنها لا تدافع عن الوحدة بصراحة، وفي المقابل فان المكونات الانفصالية والفدرالية فهي أغلبية ساحقة وأكثر شجاعة بطرحها ومدعومة من دوائر خارجية لديها أهداف مشبوهة في اليمن ، والدور الأجنبي في هذا المؤتمر يذكر بمؤتمر "نيفاشا" الذي أدى إلى تقسيم السودان.
وفي الباب الرابع قدم الباحث نبذة تاريخية عن بداية نشوء فكرة الفدرالية في عهد الاستعمار البريطاني، فقد قام الإنجليز بإنشاء اتحاد بين بعض إمارات وسلطنات الجنوب اليمني المحتل، عام 1959م (اتحاد الجنوب العربي)، ثم تناول مراحل وخطوات الوحدة اليمنية وصولاً إلى بداية دعوات الفدرالية وطبيعتها بعد قيام الجمهورية اليمنية ، وخاصة ما يتعلق بوثيقة العهد والاتفاق التي تم التوقيع عليها في 20فبراير1994 والتي نصت على أن يقوم الحكم المحلي على قاعدة تقسيم إداري جديد للجمهورية اليمنية يتجاوز التكوينات والوحدات الإدارية القائمة ويعاد فيه دمج البلاد دمجاً كاملا تختفي فيه كافة مظاهر التشطير ، تقسم الجمهورية من 4 إلى 7 وحدات إدارية تسمى مخاليف.
وخلال السنوات الماضية كانت الفدرالية تتردد من قيادات معارضة مقيمة خارج اليمن وفي أدبيات بعض الأحزاب والتيارات، ومنها حزب "رابطة أبناء اليمن- راي"، بقيادة عبدالرحمن الجفري وقد كان في بعض مقابلاته ينفي الدعوة إلى الفدرالية، إلى أن أعلن الحزب في يونيو2009 عن مبادرة لاعتماد نظام دولة فدرالية من إقليمين "شمالي وجنوبي" لكليهما نظام حكم محلي كامل الصلاحيات، لكنهما يخضعان لدستور واحد ومواطنة واحدة ورئيس واحد وعلم واحد وجيش واحد وسياسة خارجية واحدة.
وفي سبتمبر 2009، أعلن اللقاء المشترك عن مشروع رؤية أطلق عليها "وثيقة الإنقاذ الوطني"، تضمنت خيار "الفدرالية" إلى جانب خيارين آخرين، هما: "الحكم المحلي كما ورد في وثيقة العهد والاتفاق والحكم المحلي كامل الصلاحيات، و في عام 2011 وهروباً من الاحتجاجات المطالبة بإسقاطه، أعلن الرئيس السابق علي عبدالله صالح مبادرة، تضمنت الأقلمة، لم يوضح طبيعتها، حيث جاء في بندها الثالث: "تطوير نظام الحكم المحلي كامل الصلاحيات على أساس اللامركزية المالية والإدارية"، والبند الرابع "إنشاء الأقاليم اليمنية على ضوء المعايير الجغرافية والاقتصادية".
وفي يناير 2012 استضافت بيروت مؤتمراً لأحزاب ومنظمات وشخصيات تابعة و مرتبطة بجماعة الحوثي تحت عنوان "اليمن الذي نريد"، برعاية إيرانية عبر حزب الله في لبنان، وقد أكد المشاركون على أن الحل لما يطلق عليه "القضية الجنوبية" لا يكون إلا باعتبار الوحدة اليمنية "وحدة أنداد"، وأوصى "بتبني خيار الفدرالية كشكل للحكم على أن يتم تحديد طبيعة هذه الفدرالية من خلال المؤتمر الوطني التأسيسي واحترام خيار أبناء الجنوب.
والخلاصة أن مطالب الفدرالية في المرحلة الانتقالية انتشرت على حساب كل أولويات وتطلعات المواطنين، وقد كان تصاعدها بطريقة مريبة، الأمر الذي جعل البعض يقول إنها كانت إحدى البنود غير المكتوبة في اتفاق التسوية، وإن جميع الرؤى التي قدمت لإقرار نظام فدرالي، جميعها رؤى لـتقسيم اليمن إلى أقاليم أو إقليمين ،و إن القيادة اليمنية الحالية ممثلة بالرئيس الجنوبي عبدربه منصور هادي، يتم الدفع بها إلى تبني تقسيم البلاد إلى أقاليم، وهي تعتقد بأنها ستمنع الانفصال وتقترب من الشارع المطالب بالانفصال بالتوجه إلى صيغة جديدة للتوحد، بينما سيكون الناتج الطبيعي وفقاً للعديد من القرائن والمؤشرات هو تفكك الدولة إلى أجزاء ضعيفة متفككة.
عبد الفتاح البتول
قراءة في كتاب الفيدرالية في اليمن تاريخ الفكرة ومؤشرات الفشل (2-2) 1937