إن الإنسان هو العنصر الأساسي في عملية التنمية وتشييد الحضارات وبناء الدولة ومنذ زمن بعيد، وقد تحقق الكثير من النجاحات بهذا الشأن.
ونحن اليوم نسعى لبناء الدولة المدنية الحديثة والتي يتوقف بناءها على الإرادة السياسية وعلى مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل إلى جانب المشاركة المجتمعية الفاعلة وقدرة أبناء شعبنا اليمني على الالتحاق بثورة الاتصالات والمعلومات والتطور التكنولوجي, وكذا ترسيخ الأمن والاستقرار ونبذ الصراعات والحروب الأهلية مع تحديد مهام القوى العسكرية والأمنية وتنظيم علاقاتها مع السلطات التنفيذية ويتوقف أيضاً بالأساس على تحقيق العدالة الاجتماعية والتي ترتكز على عدد من القواعد أهمها:
-تطبيق الدستور والقانون والمواطنة المتساوية وإقامة دولة المؤسسات والفصل بين السلطات واستقلال القضاء وممارسة الشفافية وتجريم انتهاكات حقوق الإنسان وعدم مصادرة الحريات وكذا توسيع الممارسة الديمقراطية بما يضمن التداول السلمي للسلطة دون إقصاء أو ابتعاد أو تهميش لأي فصيل أو تيار سياسي في الساحة اليمنية.
وعلى أن تقترن هذه التحولات السياسية مع المتغيرات الاقتصادية لتشكل في مجملها الدولة المدنية الحديثة والتي تستند على الانتقال إلى أجزاء التحولات النوعية في عملية التنمية ورفع مستوى الإنتاج وأتباع السياسات الاقتصادية الناجحة وفي المجالات كافة.
إضافة إلى إخراج مزيد من الثروات الباطنية من النفط والغاز والمعادن وغيرها وبما لا يؤثر على التنمية المستدامة، واستكمال البنية التحتية اللازمة ورفع مستوى التنمية الريفية وفي كافة المجالات، مع عدم السماح للشخصيات المتنفذة بالإضرار بمصالح المستثمرين أو ابتزازهم أو فرض الشراكة مقابل الحماية.
وهذا يشجع الرأسمال على الاستثمار في عملية التنمية، وخاصة بعد وضع الضمانات القانونية والفعلية المطلوبة للمستثمرين المحليين والأجانب على السواء وكذا إعادة تشكيل وتنظيم وهيكلة القضاء بهدف خلق القضاء العادل الذي يصمن الحقوق والحريات للجميع، والتي من خلالها يتم بناء مزيد من الثقة بين الجهات الرسمية مع المستثمرين.
كما أن أتباع السياسات النقدية الصحيحة تؤدي إلى الاستقرار والثبات في سعر العملة المحلية، والحفاظ على قيمتها الشرائية، وكذا القيام بتصدير المنتجات الصناعية والزراعية والسمكية وغيرها إلى الخارج يساعد على دعم ميزان المدفوعات وجلب العملة الصعبة.
لذا نرى ضرورة مساهمة القطاع الخاص والعام والمختلط في عملية التنمية, من خلال الاستثمار الفاعل للرأس مال الوطن في مختلف المجالات وحتى يمكن تشغيل الأيادي العاطلة عن العمل وامتصاص البطالة وتخفيض درجة الفقر وتنشيط رأس المال الوطني المجمد في العملية الإنتاجية والتجارية والخدمية، وبما يلبي احتياجات المجتمع وبالتوافق مع المتغيرات الجديدة.
صحيح أن ازدياد الإخفاق في إدارة العملية التنموية قد زاد عن حدة وذلك نتيجة الخلل الكبير في جوهر النظام المالي والإدارة وسوء الإدارة وانتشار الفساد وأتباع نظام المركزية المالية والإدارية قد أدى ذلك إلى التهام كثير من الموارد المالية والعينية.
لذا ينبغي تغيير النظام المالي والإداري الحالي وإتباع نظام اللامركزية المالية والإدارية, وتعيين الرجل المناسب في المكان المناسب، مع إننا نعلم جيداً أن التنفيذ العملي الخلاق للمهام والواجبات وتطبيق القرارات المتخذة على الواقع يحتل أهمية خاصة في أي عملية إدارية أو إنتاجية أو خدمية، وهذا يدعونا إلى جذب العناصر القادرة والذين لديهم الملكات القيادية والفطرية والشجاعة الأدبية وأصحاب الهمم العالية والملكات النادرة والفراسة المتميزة والتجارب الغنية والطاقات الخلاقة والتي تمكنهم من المشاركة في إدارة شؤون البلاد بجدارة عالية.
مع وضع المعايير اللازمة لذلك بحيث تعتمد على الكفاءة وليس على الولاءات الشخصية أو الحزبية أو المناطقية أو المذهبية، مع هذا كله فإن ثقتنا كبيرة في عطاءات وكفاءات الإنسان اليمني على تجاوز الصعوبات وبناء الحضارة اليمنية الحديثة، والسير إلى الأمام رغم كل التحديات والوصول إلى بناء الدولة المدنية الحديثة، دولة المؤسسات والقائمة على منظومة الحكم الرشيد وضمان الحقوق والحريات وتحقيق المواطنة المتساوية والفرص المتكافئة. مع تقديري
محمد صالح الجدي
الدولة المدنية الحديثة والتنمية الاقتصادية 1574