من طبيعة الحياة الاختلاف في الرأي، والاختلاف في التوجه، والاختلاف في التفكير، فما خلق الله لكل إنسان عقل مستقل إلا ليكون مسؤولاً عن تصرّفه، أقواله وأفعاله، وكذا ليكون حرّاً في الاختيار، ولهذا كان العقل هو مناط التكليف، فهذا الاختلاف إذاً أمر طبيعي في حياة البشر، ولا بد منه، ولذلك قال الله ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم.
لكن ما هو غير طبيعي، وغير مستوٍ مع الفطرة السليمة، والأخلاق الكريمة، هو الفجور عند الخصومة، وهذه الخصلة هي التي عدّها النبي صلى الله عليه وسلم من علامات المنافق، حيث قال وإذا خاصم فجر وفي الحديث الآخر المتفق عليه أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم ، ومعنى ذلك بشكل عام : أن بعض الناس حينما يخاصمك، أو يختلف رأيك عن رأيه، أو توجهك عن توجهه، يتخذ في سبيل الانتصار عليك ودحرك وهزيمتك كل وسيلة مشروعة وغير مشروعة، حتى لا يبقى في قاموسه خطوط حمراء أو عيوب أو حرام، لا تعمل عنده مصطلحات المروءة ، ولا أحكام الشريعة ، لا يردّه باعث من دين، ولا يردعه وازع من عقل، فيسلك كل سبيل ولو كان فاجراً، ويتخذ أي دليل وإن كان واهياً، حتى يصل الحدّ به أن يعتدي على النفس البريئة المحرّمة، فيصادر حريتها وإرادتها، أو يغيّب صاحبها سنوات داخل أسوار الحقد واللؤم، أو يسخّر عليها شياطين الإنس والجن، فيسحر ويشعوذ، أو ينمّ ويحرّش، وقد يصل به الفجور إلى إزهاق النفس بالقتل، بل ويتخذ فيه فنوناً من الوحشية والإجرام.
هذا ما نشاهده اليوم في أرض الواقع، قتلٌ لأدنى شبهة، وسجنٌ لأقرب حجة، وليس هذا فحسب، وإنما صار القتل المجّاني يطال المجموعة كاملة، ويحصد أرواح الناس جملةً واحدة، بينهم الطفل الرضيع، والشيخ العاجز، والمرأة المذهولة،، بل حتى الحيوانات العجماء، والأحجار الصماء، صار لها نصيب من فجور الخصم اللدود، وطالها شر المجرم بلا حدود.
كل هذا الفجور وأضعافه، مما تتكرّر علينا مشاهده، وتتعدد في واقعنا أشكاله وصوره، من أجل إرضاء نفسٍ فاجرة، أو قرّة عينٍ مسعورة، لا ترضى بالدون من الانتصار، ولا تطيب بقليل من الغلبة، حتى تهلك الحرث والنسل، وتأتي على الأخضر واليابس, فأي آدمية ترقى بعد هذا الإجرام ؟ وأي إنسانية تبقى إزاء هذا الفجور؟؟.
محمد عكروت
الخصم الفاجر 1351