لأول مرة، ومنذ ثلاثين سنة، أعرف أن الجماعة التي شرفت بالانضمام إليها إرهابية، قال هذا -مؤخرًا- الغراب الأغبر، خادم العسكر، الشيوعي أسود الوجه والقلب.. تلقى التعليمات بتلاوة هذا القرار على الرأي العام فور تنفيذ تفجير المنصورة بأيدي رجال (الجهة السيادية)، فلم يتردد، فأمر بأن يقوم شيوعي آخر -للأسف يعمل أستاذاً بالجامعة- بتلاوته، فتمطى هذا المبغض للجماعة وقام باستفراغ القرار، الذى تلقته الجماهير بالهتاف ضد الانقلابين الذين لم يعد في جعبتهم جديد سوى المزيد من القتل والتدمير.
سبحان ربي! هل وصل الغل على الدين إلى هذا الحد؟ هل لم يعد لديكم شيء من الوطنية لو قلنا أنكم تكرهون الإسلام والمسلمين؟ شيء من الوطنية يحفظ مقدرات البلد ويرعى أبناءه؟ للأسف لا أرى -والله- ذرة من ضمير لدى هؤلاء البشر، كما لا أرى ولو جزءاً يسيراً من الوطنية والانتماء، بل من الإنسانية.. لا أرى سوى مجموعة دمى تنفذ مصالح الغرب وخططه، واستراتيجيات إسرائيل وتصوراتها المستقبلية، وأرى نزعة طائفية يقوم العسكر بتنفيذ (أجندتها)، واسترضائها بشتى الطرق.. وأرى -قبل ذلك وبعده- حربًا صريحة على الإسلام والمسلمين.
إن القرار الأمريكي بغلق أكثر من ألف جمعية خيرية إسلامية يستفيد منها عشرات الملايين، ومعظمها غير تابع للإخوان ولا يعرف الإخوان عنها شيئًا - يعنى أننا أمام مخطط للتخلص نهائياً من هوية الدولة، ومنع ممارسة الدعوة الإسلامية بشقيها النظري والتطبيقي، وفي المقابل مد اليد بالسؤال للغرب في الخارج وللكنيسة في الداخل.. كما يعنى القرار أن الانقلابين غير مشغولين -على الإطلاق- بهموم الشعب، ولا يفكرون من قريب أو من بعيد في قضاياه وأزماته التي باتت تخنقه وأولها الفقر الذى زادت معدلاته بشكل كبير منذ وقوع انقلابهم الدموي في يوليو الماضي.
وإذا كان قرار غلق الجمعيات أمريكياً صرفاً -كما صرح أحمد المسلماني بذلك- فلا أستبعد أن يكون وصم جماعتنا بالإرهاب هو أيضاً أمريكيا، وإن أظهرت أمريكا عكس ذلك، فإن الأخيرة لديها الأمل في تجفيف منابع الدعوة في مصر، قاطرة العالمين العربي والإسلامي، وهى تعلم أن الإخوان هم أساس هذه الدعوة وجذرها الممتد، وبقاؤهم عقبة كبيرة في سبيل تنفيذ مخططاتها الخاصة ومخططات ربيبتها في المنطقة، ومعلوم أن منطقتنا على وشك إعادة التقسيم وترتيب أوراقها من جديد، وهم لذلك يرون أن الجماعة هي الحائل دون ذلك، ووصمها بالإرهاب - في ظنهم- يصنع العداوة بينها وبين الشعب، ويجعلها منبوذة مكروهة من مواطنيها.
وخاب هؤلاء وخسروا، أولا يرون ما فعلوه بهذه الجماعة من قبل.. لقد وصفوها منذ سبعة عقود بأوصاف أشنع من وصف الببلاوي، بل كادوا يقضون على كل أفرادها فيما يشبه الإبادة الجماعية في عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي حتى ظن الإخوان أنفسهم أن الإسلام ذاته قد انتهى في مصر، وإذا بهم لما خرجوا من السجون في أوائل السبعينيات يجدون آلاف الشباب في انتظارهم يدينون بفكرهم ويخلصون لمبادئهم ويتحركون بحركتهم.. ورغم انتشار الجماعة في كل شبر من أرض مصر، وتواجد أعضائها وأنشطتها في كل شارع وحارة على أرض المحروسة، فإن الحكام (المغاوير) السابقين لم يعترفوا بها يومًا، بل طاردوا أبناءها، وسجنوهم، وقتلوهم، ولم يدعوهم يومًا يتمتعون بحقوقهم مثل باقي المواطنين.
إذاً، لن يغير قرار الانقلابين بوصف الجماعة بالإرهابية من الواقع شيئًا، اللهم إلا أنه سوف يرتد على من أصدروه، فالعالم كله عرف أنهم هم الإرهابيون القتلة، الذين لم يتركوا جريمة لم يفعلوها، وانطبق عليهم -بهذا القرار الغبي- المثل السائر: (رمتني بدائها وانسلت)..
حين أصدر رئيس وزراء مصر قراراً بحل الجماعة عام 1954م بعث إليه الأستاذ/ حسن الهضيبى بالرسالة التالية:
(وقرار حل الإخوان، وإن أنزل اللافتات عن دورهم فإنه لم يغير الحقيقة الواقعة، وهى أن الإخوان المسلمين لا يمكن حلهم؛ لأن الرابطة التي تربط بينهم هي الاعتصام بحبل الله المتين، وهى أقوى من كل قوة.. ولا تزال هذه الرابطة قائمة وستبقى كذلك بإذن الله..
ومصر ليست ملكاً لفئة معينة، ولا يحق لأحد أن يفرض وصايته عليها، ولا يتصرف في شؤونها دون الرجوع إليها والنزول على إرادتها..
لذلك كان من واجب الواجبات على الإخوان المسلمين أن يذكروكم بأنه لا يمكن أن يبت في شؤون البلاد في غيبتهم.. وكل ما يحصل من هذا القبيل لن يكون له أثر في استقرار الأحوال ولا يفيد البلاد بشيء).
عامر شماخ
جماعتنا إرهابية 1372