طفل سوري أطلقها غير متعتع، سأخبر الله بكل شيء، بدأ كمؤمن كبير يملك إحساس مرهف بحجم الخذلان البشري لقضيته وقضية شعب أنهكته الجراح ومعاول القتل والتشريد التي تحصدهم كل يوم دون أن تهتز شعرة لضمير أممي أو أن يطرف جفن لزعيم مسلم.
هال البشر التراب على الإنسانية والرحمة ولم يبق إلا عالم تحكمه المصالح المترابطة, والخيارات المحسوبة مسبقاً بدقة وبهذا أصبحت الأخلاق والضمائر عديمة الوزن واللون والرائحة، وحدها يد الله هي القادرة على إيقاف هذا السقوط البشري وإنصاف الضعفاء والمظلومين وهي ما جسدته عبارة الطفل الصغير: (سأخبر الله بكل شيء) بعد أن تملكه اليأس من ملاقاة العدالة التي ينتظرها في هذه الدنيا وباعتبار أن البشر اليوم ليسوا سوى ممسوخ متمرد على القيم والشرائع السماوية التي ظن الصغير أنهم يفعلون كل ذلك الخذلان بمعزل عن أعين الله وبأنهم يمارسون الخيانة والصمت والتظليل وهو ما يخالف ما أمر الله به وانه آن أوان رحيله من حلبة الحياة الغير متكافئة شأنه شأن العظماء الكبار.
أدرك الصغير مبكراً انه أصبح شاهداً وان صوته أصبح مسموع على بشاعة الإنسانية اليوم التي تتدثر خلفها شعارات المنظمات والمؤسسات الحقوقية التي تتغنى بحقوق الإنسان والمراءة وبرامج حماية الطفولة وبأن في ذمته شهادة سيدلي بها في محكمة العدل الإلهية التي تنتظره كشاهد على حقبة زمنية غابرة.
هذا الملاك الصغير ظن أن العالم (مدينة فاضلة) كما حلم به أفلاطون: سيحيى وينمو ويكبر ويحبو ويلعب ويشعر بالأمان مع أقرانه ويمنحه أبويه الدفء والحنان والعطف, ولكنه اكتشف الحقيقة بأن حلم أفلاطون ليس إلا مجرد وهم و سراب بقيعة وان الحياة لم تعد في بلده إلا غابة متوحشة يحكمها حيوان أطلق عليه في يوم من الأيام بأنه ملك الغابة ولم يعد المثل ينطبق عليه بأن: (الأسد لا يأكل أولاده) بعد أن أصبح مجرد قطه لقيطة تقتات على صغارها بمخالفة صارخة لنواميس الكون والطبيعة.
يوسف الدعاس
سأخبر الله بكل شيء 1992