إن من أهداف ثورات الشعب اليمني الماضية وثورة 11 فبراير, القضاء على جذور وأسباب الاستبداد من خلال إلغاء المركز المقدس الصانع للمستبدين، ولهذا توصل الباحثون في آليات الحكم إلى فكرة النظام الفدرالي الذي يوزع سلطات المركز المقدس المتسبب بصناعة المستبدين.. ففكرة الفدرالية هي فكرة توازن القوى بين الإقليم ومركز الدولة الاتحادية، ولهذا لا بد من فهم ووعي وثيقة خارطة الطريق لمخرجات الحوار الوطني التي ستعطي الصلاحيات لحكم محلي كامل الصلاحيات من هذا المنطلق.
إن نظام الأقاليم لا يعني هيكلة الوحدة، بقدر ما هو هيكلة الدولة، وتقسيم النظام المركزي إلى نظام أفقي تحت إشراف المركز.. إننا بحاجة إلى قراءة الوثيقة قراءة دقيقة، وأن ننظر للوثيقة بعين مجردة من الفكر التآمري والكيد السياسي، وعلينا أن نتحلى بالنظرة المنصفة، وأن نعلم بأن كل الأحزاب الذين دخلوا الحوار وجنبوا اليمن ويلات الصراع والحرب الأهلية لا بد أن يواصلوا المشوار بتجنيب أجيال اليمن العودة إلى الصراع على السلطة من خلال السيطرة على المركز، وخاصة اللقاء المشترك الحامل لثورة 11فبراير.
إن الاختلاف على الوثيقة وتبادل الاتهامات تجعلنا نسترجع حلقات الصراع التي خلقها النظام السابق، وتسبب في توالد الأزمات التي توالت على اليمن خلال العقود الماضية، وتفاقمت أكثر مطلع عام 2011 م، وقد خلقت بيئة سياسية مأزومة تصر على إبقاء المجتمع اليمني رهن تأثيراتها .
إن هذه البيئة السياسية المأزومة هي من تفرز أعراضها المرضية اليوم من خلال ذلك الجدل السياسي والإعلامي الدائر حول وثيقة الضمانات والحلول للقضية الجنوبية والمقترحة من المبعوث الأممي/ جمال بن عمر, وإن أسوأ ما في هذ الجدل أنه كشف عن أن بعض من دخلوا الحوار من المكونات السياسية والحزبية والاجتماعية لم يذهبوا إلى ذلك الحوار بنوايا صادقة وحريصة على إغلاق ملفات الماضي وبدء صفحة جديدة تؤسس لدولة عصرية وحديثة تقوم على العدل والإنصاف والمواطنة المتساوية، وإنما تقاطروا إلى الحوار بهدف توزيع ميراث (اليمن المريض)، وتقاسم تركة دولته الموحدة التي كانوا جميعا وراء كبوتها وما حاق بها من أخطاء وتجاوزات وانكسارات ومظالم.
كيف يمكن لمثل هؤلاء البعض السياسيين الذين أخفقوا في إدارة الدولة خلال عقود كثيرة، وإذا ما كانت هناك مخاوف من بعض الأحزاب والتيارات السياسية من الفيدرالية والدولة الاتحادية فلماذا قبلت هذه القوى بالمبدأ أصلاً؟ ولماذا ظلت تتحاور كل هذه الأشهر, إننا نجد أنفسنا أمام شعاراتهم لا تشلوني ولا تطرحوني وأصبحوا مثل حبات العقد المنفرط لا يجمعها جامع ولا يحدد مسارها طريق مرسوم بل إن أطرافها يتعاملون مع قضايا الوطن كعازفين بغير ضابط إيقاع ينظم حركتهم وينسق بين نغماتهم.
ومع هذا إذا كان الهدف بناء دولة اتحادية كسائر الدول الاتحادية في العالم فإن من الواقعية إعادة النظر في بعض بنود تلك الوثيقة ليتسنى إنهاء اللغط والجدل الدائر بشأنها ومن خلال استمرار الحوار ستظل ضمانة تلافي القصور وتوضيح الغموض إن الأفكار العظيمة لا تموت.. فقط هي بحاجة إلى اشخاص عظام، واليمن لا تفتقد لمثل هذا النوع من الرجال الذين لا نتمنى عليهم أن يخذلونا حتى ونحن ممن نثق بحكمتهم ورجاحة عقولهم.. والله الموفق.
محمد سيف عبدالله
لماذا الجدل حول وثيقة خارطة طريق مخرجات مؤتمر الحوار الوطني طالما والحوار مستمر 1465