*مرة أخرى ـ من جديد ـ وفي غضون أقل من ثلاث سنوات "نحو عامين وتسعة أشهر ونيف من الأيام" وبنفس عبارات المباركة والتأييد المنحازة لفريق رأس هرم السلطة السياسي ومحوره أو من يتمحور معه وحوله في مواجهة فرقاء المحور السياسي المعارض أو بالأصح المعترض على تمرير ما باتت تعرف بـ "وثيقة بن عمر" لحل القضية الجنوبية التي لم يتم التوافق عليها في الحوار والتي يبدو أنها تحولت من اتفاق "حلول قضية" إلى وثيقة أزمة وطنية..
*وعودة على بدء فإن ذات القيادة التي لم تطالها أو مرت من جوار مواقعها هيكلة القوات المسلحة والأمن دون إخضاعها لمعايير الهيكلة بعد أن أفلتت من دوران أولى عجلات التغيير أيضاً, ها هي تلك القيادات تزج بالمؤسسة العسكرية والأمنية مجدداً وتحشرها حشراً في الحياة السياسية ودهاليزها ومستنقعات الصراع السياسي وخلافاته وما تخلف من نتائج غالباً ما تكون سلبية على حاضر ومستقبل الوطن, وهو ما يستدعي, بل ويوجب على المؤسسة العسكرية والأمنية ممثلة بقياداتها وكل منتسبيها أن يربأوا بالجيش والأمن كمؤسسة وبأنفسهم كقيادات من الاقتراب من وحل الصراعات والخلافات السياسية بين الفرقاء السياسيين حتى لا تشوب أو تعلق بالجيش, شبهة أو شائبة, فما بالك بالانغماس في أتون الخلافات السياسية بين فرقاء العمل السياسي والوصول للتمحور والتخندق مع فريق ومحور في مجابهة فريق ومحور سياسي آخر..
*معالي وزير الدفاع اللواء الركن/ محمد ناصر أحمد الممسك بحقيبة الجيش منذ آخر حكومات رئيس الوزراء الأسبق الأستاذ/ عبدالقادر باجمال ومروراً بحكومة رئيس الوزراء السابق الدكتور/ محمد علي مجور ووصولاً لحكومة الوفاق الوطني حالياً برئاسة الأستاذ/ محمد سالم باسندوة وبمعية الوزير رئيس هيئة الأركان العامة للجيش اليمني اللواء/ أحمد علي الأشول ـ هما كانا ومازالا وسيظلان ـ ما شاء الله ـ رأس هرم القوات المسلحة والوزير ذاته هو من أعلن في مساء 18/3/2011م انحياز الجيش والأمن للرئيس السابق/ علي عبدالله صالح ومحوره السياسي وحلفائه آنذاك, والوزير نفسه ومعه هيئة الأركان العامة يعلنان أمس الجمعة 27/12/2013م باسم القوات المسلحة والأمن التأييد والمباركة لـ "وثيقة بن عمر" التي وقعها ويدعمها الرئيس الانتقالي/ عبدربه منصور هادي ومجموعة من القوى السياسية ووسط معارضة ورفض معلن وتحفظات لقوى سياسية رئيسية أخرى, غير موقعة وفي طليعتاه حزبان أعلنا دولة الوحدة " الاشتراكي والمؤتمر" وكذلك التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري والرشاد اليمني وآخرين وفي هكذا حال فإن حلحلة الخلاف على وثيقة بن عمر يجب أن تتم بالتوافق وداخل مؤتمر الحوار ووفق النظام الداخلي للمؤتمر وبحسب المبادرة الخليجية وآليتها وقراري مجلس الأمن الدولي 2014و 2051 وبما يحقق الوفاق بين القوى الموقعة والرافضة والممتنعة لما فيه نجاح الحوار..
*إنه لمن المعيب أولاً والمؤسف ثانياً والأمر غير المقبول والمعقول بل ومن التجاوز لثورة التغيير ومبادئ وأهداف ثوارها ومن المخالف والمتعارض المناقض لأبسط أبجديات و " ألف ـ باء ـ جيم ـ دال" الحكم الرشيد الذي ينشده كل يمني ويمنية ومن المفترض أننا نؤسس له اليوم عبر التغيير وعجلته التي لن تعود إلى الوراء كما يردد وزير الدفاع في كل كلماته ولقاءاته والتي باتت شعاراً على بوابات وساحات وقاعات معسكرات الجيش المنتشرة في ربوع اليمن الواحد الموحد كما هي أيضاً على جدران مكاتب وزير الدفاع ومساعديه ورئيس الأركان ونائبه وكل دوائر الدفاع وحتى مكتب القائد الأعلى وبوابات دار الرئاسة في النهدين بصنعاء.. ورغم كل ذلك يكرر وزير الدفاع ورئيس الأركان ويحلق بهم مقلداً ومتزلفاً بوعي أو بدون وعي بعض قادة الفروع الرئيسية للجيش وقادة الأجهزة الأمنية.. ما حدث في مارس آذار 2011م , يكررونه في ديسمبر كانون أول 2013م ـ رغم مرور عامين على عملية إعادة الهيكلة في القوات المسلحة والأمن بعد نحو ثلاثة أعوام من ثورة شعب وفي خضم عملية تغيير وحوار غير مسبوق من حيث التمثيل الشعبي والمشاركة السياسية والإسناد والدعم الشعبي داخلياً والإقليمي والدولي خارجياً..
*ما تم إعلانه يوم أمس من تأييد باسم القوات المسلحة والأمن لـ " وثيقة بن عمر" يندرج ضمناً وموضوعاً بإعلان انحياز الجيش كمؤسسة وطنية ضامنة ومحترفة ومحايدة لمحور سياسي ضد آخر بما يعني انحياز لجزء من الشعب ضد جزء آخر ولتغليب رؤية على أخرى بقوة السلاح وجنزير الدبابة وأزيز الطائرات وهدير الأساطيل لجيش يفترض به أو عليه وفق مبادئ الحكم الرشيد وحتى وفق الدستور الراهن والقوانين السارية اليوم أن يظل هذا الجيش بعيداً عن التجاذبات السياسية والخلافات الحزبية وصراعات محاور السياسة وانقسام الساسة..
إن ما حدث هو انقلاب على ثورة التغيير ومبدئها التي خرج الشعب للساحات من أجلها, لقد أعلن وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان ومن لحق بهما من القيادات العسكرية من جديد عدم اصطفافهما مع الدستور والقانون من خلال الانحراف بالمؤسسة العسكرية عن دورها الوطني العظيم وعن حياديتها وضمانتها كحامٍ للثورة اليمنية وإنجازاتها ومكتسباتها وكمدافع عن جميع أبناء الوطن, كدرع للوطن وسيف بيد الشعب للذود عنه, لا لإشهاره في وجه مكون أو مكونات وطنية أن يكون بيد شخص أو حزب أو محور سياسي لاستخدامه كأداة أو أدوات ضمن إدارة اللعبة السياسية أو للحوار أو حتى الصراع بين فرقاء السياسة.
الرئيس هادي, كرئيس توافقي وانتقالي, يحتاج الجيش والأمن في مواجهة عناصر الإرهاب وفي مجابهة عناصر التخريب الذين ملأوا أرض اليمن فساداً وقتلاً وناراً ودماء وحاربوا الله ورسوله وأبناء الشعب اليمني, تلك هي مهمة الجيش والأمن العظيمة في مساندة الرئيس وعموم الشعب اليمني راهن المرحلة وتلك هي حربهم ومعركتهم ومعركتنا جميعاً كمواطنين ودولة وحكومة ورئيس, أما الانزلاق بالجيش والأمن نحو مهاوي السياسة ومغاوي الأحزاب ومغارات الحوار ودهاليز المبادرات والوثائق السياسية المصنوعة محلياً أو المستوردة إقليمياً وأممياً وما يصاحب طباختها ومناقشتها وبلورتها والاتفاق أو الاختلاف عليها ما يصاحبها من روائح وألوان وأشكال ومن توابل وبهارات أو حتى من عسل وحلو وسموم وألغام و متفجرات, فتلك جميعاً مسؤولية المؤسسات السياسية من قيادة وحكومة وأحزاب ومكونات شعبية ومنظمات جماهيرية وشعب حي وواعٍ وكله أمل وصمود ومساندة للعبور بالوطن نحو بر الأمان.
لا مصلحة لليمن اليوم كشعب ودولة وحتى قيادة على رأسها المشير/ عبدربه منصور هادي في الانزلاق بالمؤسسة العسكرية والأمنية مجدداً نحو دهاليز السياسة وإصطفافات المحاور في الحوار أو التخندق مع فريق سياسي ضد آخر ولو كان الرئيس على رأس ذلك الفريق في ظل الاحتكام لحوار وطني شامل، وأي مكسب يعود على المؤسسة العسكرية من جرها مجدداً لخنادق السياسة وتخندقات الساسة..
وأي جدوى من هيكلة الجيش وأجهزة الأمن ما لم تكن حيادية وضامنة ومحترفة وتأتمر بالدستور والقانون وتنحاز لعموم الشعب هذا ما كنا نأمله وما زلنا وسنظل ننشد جيشاً وطنياً حارساً للمؤسسات والدستور والقانون وحامياً للثورة والجمهورية والوحدة والمنجزات وبعيداً عن معارك وصراعات الحياة السياسية لفرقاء الوطن الواحد.. والله من وراء القصد.
محمد عبد الملك القارني
عن وزير الدفاع والانحراف بالجيش!! 1317