ليس من الغريب أن تجد هذا" المخزن" قد وجد ضالته فهو يبحث عن السعادة وإن افترش كرتوناً وأتكأ على حجر فإنه سيشعر بسعادة وإن كانت مؤقته لا شك فهو يقضي ثلثي يومه في شقاء وثلث في سعادة..
وهذا يكفي بالنسبة له فإن كان معه عمل فإنه سيقوم بإنجازه على الوجه الذي يستحق خاصةً إذا كان هذا العمل يتعلق بحرفة يدوية أو عمل من أعمال البناء أما إذا كان المخزن تاجراً فهو يعينه على البقاء في محله لساعات طويله ففي هذا المرحلة يشعر متعاطو القات بنشاط عقلي وجسمي وإحساس بالراحة وزيادة في القدرة على التركيز وكذلك الحديث لكن سرعان ما ينقلب هذا الشعور بعد مضغ القات فهو يشعر بعدها بالقلق وعدم التركيز والميل للانزواء وقلة الحديث والأرق وصعوبة في التبول وضعف في الأداء ا لجنسي وإن كان أداءه النفسي يتفوق على أداءه الحسي الملموس فهو يملك حينها القدرة على تذكر أدق اللحظات العاطفية المختزلة في الذاكرة ,كما أنه يعيش في روحانية مفرطه مع شريكه ،كما تشير الدراسات أن المتعاطي للقات يصاب بعدد من المشاكل الصحية مثل البواسير والتقرحات النخامية والمعدة والاثني عشر وارتفاع ضغط الدم وقلة إدرار اللبن عند الأم, فإن الكثير منا لا يعبأ لمثل هذه الأمراض فهي لا تظهر بين اليوم والليلة وما يهم في هذا الموضوع عند المتعاطي هو الجانب المالي إذ يشكل 26% من متوسط دخل الأسرة اليمنية هذا بحسب المسح الميداني للأعوام 2005 – 2006م فإن كانت تقارير البنك الدولي تقول إن 72% من الرجال اليمنين يهدرون 10% من إجمالي دخلهم فهذه النسبة ترتفع إلى 30% من ذوي الدخل المحدود أما عن مدى انتشار القات بين أفراد الأسرة فقد أوضحت دراسات يمنية أجريت علي عينه مكونة من 850 امرأة فوجد أن أكثر من 77% من العينة يخزن القات وإن 25 % من هذه النسبة تتراوح أعمارهن بين 25 ، 34 سنه وأن 25 % أعمارهن أقل من 25 سنة أي أن النساء متوسطات العمر أكثر إقبالاً على القات فإن كنا سلمنا جدلاً أن ما يخسره اليمنيون حسب ما تشير إليه التقارير 20 مليون دولار في اليوم فإن من ينتفع به هم أسر المزارعين وبعض الباعة الذين لا يجيدون أي عمل في أي مهنة حرفية أو وظيفة يتم التكسب منها إذاً فالخسارة لا تشكل خانة رقمية كما يحسبها الباحثون ما دامت هذه الأموال يعاد تداولها في السوق المحلي وليس لها صلة بالاستيراد من الخارج, فالخسارة الحقيقية هي أن القات يزرع في ظروف مناخية مناسبة لزراعة البن فإن كان إقبال المزارعين على زراعة القات بدل البن واللوز مثلاً فهذا لأنه لا يتطلب في زراعته جهود كبيرة ونفقات عالية فأن أردنا استبداله بشجرة البن فالعائد ليس بصالح المزارع إلا في حال تكفلت الدولة بشراء محاصيل البن من المزارعين ومن ثم تصديرها أو بيعها في السوق المحلية بسعر أقل من القيمة الأصلية مثلما يحصل في بعض دول الجوار التي كانت تشتري القمح من المزارعين ومن ثم يعاد بيعها بسعر أقل .
فإين من يقول أن القات وبالرغم من أضراره الصحية والاجتماعية والمادية والدينية قد حد من انجرار بعض ضعفاء النفوس وراء الكحول والمخدرات والحشيش فإننا نقول وإن كان كذلك فما هي النسبة التي يشكلها هؤلاء الأفراد أمام مجتمع، فتعالوا بناء نتصور العيش بدون هذه الشجرة لا شك أن الحياة ستكون أجمل وأروع فالأغنياء سيذهبون بأولادهم إلى الحدائق والمتنزهات ولا شك سيحتكون بالفقراء والمساكين بدل الانزواء في الغرف المغلقة .
وأصحاب الدخل المحدود الذين أصبحوا فقراء بسبب القات سيعود إنفاقهم على أبنائهم وذويهم فيما كان ينفق للقات والمصلون سيلتزمون في أداء صلواتهم في أوقاتها والساهرون إلى ساعات متأخرة سيستيقظون في وقت مبكر واللحاق بأعمالهم في الوقت المناسب أما المرتشون وما أكثرهم فأظنهم سيكفون أيديهم وشجرة البن سيعاد زراعتها .
عبد الوهاب البنا
ينابيع جافة 1516