ممالا شك فيه أن اليمن تمر بأخطر مراحلها على الإطلاق في التأريخ الحديث, فقد كانت الأخطار في الماضي تهدد أنظمة الحكم في اليمن شمالاً وجنوباً, لكن الوضع الآن يختلف, فالأخطار لا تهدد نظام الحكم فحسب وإنما تهدد اليمن كدولة وككيان مترابط تاريخياً وجغرافياً.. لذلك لا بد لنا أن نخاطب الرجل الأول في البلاد, فمن حقه علينا أن نتكلم ومن حقنا عليه أن يستمع لما نقول.
يا فخامة الرئيس: لقد جاءت بك الأقدار إلى قيادة السفينة في هذا البلد, في ظروف استثنائية وبالغة التعقيد وهي نفس الظروف ـ تقريباً ـ التي أتت بالقاضي/ عبدالرحمن الأرياني إلى سدة الحكم في صنعاء (5 نوفمبر1967), لقد واجه القاضي الارياني ـ بعد صعوده ـ خطر إنهاء الحكم الجمهوري وسقوط الدولة وهويتها وذهاب كل التضحيات أدراج الرياح.. وها أنتم تواجهون خطر ضياع الدولة الواحدة وهويتها, بل وتفكيكها إلى قطع متناثرة..
لقد كان يقول القاضي الارياني ـ عند حصار صنعاء(حصار السبعين) ـ أتمنى أن يقبض الله روحي قبل سقوط الجمهورية لأن التاريخ سيتحدث إن ذلك حدث في عهد الارياني والتأريخ لا يرحم.. وقد قاوم كل الضغوطات والإغراءات الداخلية والخارجية, حتى عندما كان رئيساً للوفد الجمهوري في مؤتمر حرض 1965 للتفاوض مع الجانب الملكي بإشراف مصري سعودي والتي اتفقت فيه الدولتان (مصر والسعودية) أن يتم تغيير مسمى الدولة إلى - اليمن دولة إسلامية بدلاً من جمهورية ويبقى النظام في البلد جمهورياً ما عدا اسم الدولة ومورست ضغوطات شديدة من أجل ذلك ولكن القاضي الارياني رفض ذلك وقال: إن التنازل عن اسم الجمهورية يعتبر خيانة لكل تضحيات أبناء اليمن شمالاً وجنوباً ولن يكون ذلك على يدي.
يا فخامة الرئيس, إن من يطّلع على الآلية التي قدمها المبعوث الأممي بخصوص الأقاليم والولايات والثروة, يدرك تماماً أنهم يريدون تكرار السيناريو العراقي في اليمن, يريدون استنساخ (كركوك) والبصرة والموصل هنا في اليمن.. ألم تشرف أميركا على الدستور العراقي وأعطت الضمانات من أجل تطبيقه؟؟ ومع ذلك هاهي كركوك اليوم تصدّر البترول وتبرم العقود مع الشركات وتستقبل الوفود في مخالفة للدستور, رغما عن حكومة بغداد.
سيدي الرئيس, نعلم تماما أن التركة ثقيلة والمعوقات كثيرة والأمواج عاتية ولكن الربّان الماهر لا تظهر مهارته في قيادة السفينة إلا في مثل هكذا ظروف, أنت من أبطال الوحدة اليمنية ومن قادتها الذين دافعوا عنها ببسالة, فلا تسمح بضياعها في عهدك تحت أي مسمّى برّاق.. لا تسمح بتقطيع اليمن إلى أوصال يسهل ابتلاعها من هذا الطرف أو ذاك, فالظروف الإقليمية والدولية تتغير, فالذي يضمن لك اليوم يرفع ضمانته في الغد إذا رأى مصلحته في ذلك.
يا فخامة الرئيس, أنتا أقوى رئيس يمني قد تولى الحكم, فالقوى السياسية في اليمن حريصة عليك في الوقت الحاضر والقوى الإقليمية والدولية كذلك لأنك رمانة الميزان, فعليك استغلال هذه المكانة بعدم الخضوع للإملاءات الداخلية والخارجية, إن أنظار اليمنيين شاخصة إليكم بعد أن رُفعت إليكم القضايا الحساسة والمصيرية للبت فيها, فلا ترجع هذه الأبصار خاسئة وحسيرة.
لقد قال الأمير/ الحسن ابن يحيى حميد الدين ـ عند سماعه لخبر تولي القاضي الارياني الحكم في صنعاء ـ الآن يأس بيت حميد الدين من العودة إلى حكم اليمن.. فيا فخامة الرئيس اجعل دُعاة التقسيم والانفصال الجزئي والكلي يقولون نفس المقولة في عهدك.
رسالة إلى الجميع:
أيتها القوى السياسية ويا كل من له تأثير في هذ البلد.. إنني أصرخ فيكم وهي صرخة كل يمني، إنها صرخة نذير واستغاثة غريق وجد نفسه وقومه وسط العباب, تتقاذف سفينتهم الأمواج في بحر الظلمات، فهو يصرخ في قومه صُراخاً ربما انزعج له القليلون ولكنه يخاطب الكثيرين.. خلصوا أنفسكم من الغرق، أنقذوا ما تستطيعون إنقاذه حتى لا تغرق السفينة..
اللهم هل بلغت, اللهم فاشهد.
كمال بن محمد البعداني
لله ثم للرئيس 1998