باستماته حاول الإنقلابيون في مصر عندما قاموا باعتقال فتيات الإسكندرية أن يوصلوا مجموعة من الرسائل للداخل المصري وخاصة لتلك الفئة التي أصبحت تناصر الشرعية وتتسع رقعتها على طول البلاد وعرضها, لكن ضنهم خاب, وسهم طاش, ولم يجنوا من تلك الاعتقالات إلا مزيداً من الفضائح التي أصبح عرفها يشتمه الصغار قبل الكبار كلنا شاهد فتيات الإسكندرية الآتي اعتقلن وهن يؤكدنَ بعد الإفراج عنهن مجدداً استمرارهنَ بالمشاركة في المظاهرات والفعاليات المناهضة للانقلاب وفي أول تعليقات لهن بعد أن حكمت محكمة الاستئناف بالإسكندرية على 14 منهن بالسجن سنةٍ واحدة مع وقف التنفيذ، وعلى سبع منهن قاصرات بالبراءة؛ أكدت الفتيات عزمهنَ على مواصلة المشاركة في الأنشطة المناهضة للانقلاب، وعدم تأثر عزيمتهن بتجربة احتجازهن على خلفية التظاهر.
وقد أخلت السلطات المصرية سبيل الفتيات الـ21 المعروفات إعلامياً باسم "فتيات الإسكندرية"، بعد أن كانت محكمة استئناف الإسكندرية قد قضت في وقت سابق من اليوم نفسه بالإفراج عنهن، وقضت بالسجن سنة واحدة مع وقف التنفيذ على 14 فتاة من أعضاء حركة "سبعة الصبح"، اللواتي تظاهرن تأييداً لشرعية الرئيس المعزول محمد مرسي الشهر الماضي، كما حكمت ببراءة سبع قاصرات في القضية نفسها مع وضعهن تحت الاختبار القضائي لمدة ثلاثة أشهر.
وقالت إحدى الفتيات للجزيرة بعد الإفراج عنهن "ما زلنا ثابتات على مبادئنا وآرائنا"، وقالت أخرى "لسنا نادمات ولا خائفات لأننا على الحق إن شاء الله وسننتصر في الأخير إن شاء الله".
لقد أرادوا من خلال هذا الحكم أن يبثوا الرعب في أوصال الناس، بحيث لا يفكر أحد في السماح لابنته بالخروج إلى الشارع والتظاهر، لكن حرائر الإسكندرية الأخريات ما لبثن أن خرجن في اليوم نفسه ينددن بالحكم، ومعهن حرائر في مدن أخرى، وأحرار بلا عدد. بعض الصغار يجهلون هذا النوع من الإصرار، فهم لم يناضلوا يوماً، ولم يدفعوا ثمن الدفاع عن قضية نبيلة أبدا، ولو حتى بحرق أعصابهم، ولذلك يعتقدون أن الخوف يمكن أن يفعل فعله في الشرفاء.
فعلاً كما قال" ياسر الزعاترة" ستظل صورة فتيات الإسكندرية بلباسهنَ الأبيض وراء القضبان، وابتسامتهنَ التي تأسر القلوب، ستكون واحدة من أهم الصور في هذه العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين. يا الله، كيف صدف أن التقطت الصورة لهن جميع؟ وهنَ مبتسمات على ذلك النحو الساحر، لكأنهن في عرس، ولسن وراء القضبان؟
أية بطولة هذه التي تابعها العالم أجمع من قبل فتيات في عمر الزهور سرقن من كتبهن وكراريسهن وتم اقتيادهن إلى السجن؛ فقط لأنهن أطلقن بالونات عليها شعار رابعة! كانت الحرائر بابتسامتهن يهزأنَ الانقلابين ويتحدين الجلادين والقضاء في آن معاً. وحين جاء الحكم لم يزددن إلا قوةً وصلابةً، فيما كان العالم كله هذه المرة يهزأ من انقلابين معهم العسكر والأمن والقضاء والإعلام ودول ومليارات، لكنهم ظلوا عاجزين عن احتمال فتيات يطلقن بالونات في الهواء تعبر عن تضامنهن مع ذكريات من يرونهن أجمل الشهداء الذي سقطوا برصاص القمع في رابعة والنهضة وما بعدها. إنهن كما قال شاعر الجبارين أبو القاسم الشابي نشيده الذي تغنيه فتيات الإسكندرية اليوم:
سَأعيشُ رَغْمَ الدَّاءِ والأَعْداءِ*كالنِّسْر فوقَ القِمَّةِ الشَّمَّاءِ
أَرْنو إِلَى الشَّمْسِ المضِيئّةِ..، هازِئاً*بالسُّحْبِ، والأمطارِ، والأَنواءِ
لا أرمقُ الظلَّ الكئيبَ* ولا أَرى ما في قرار الهَوّة ِ السوداءِ...
وأقول للقَدَرِ الذي لا يَنْثني*عن حرب آمالي بكل بلاءِ:
"-لا يطفئ اللهبَ المؤجَّجَ في دَمي*موجُ الأسى, وعواصفُ الأرْزاءِ
«فاهدمْ فؤادي ما استطعتَ، فإنَّهُ*سيكون مثلَ الصَّخْرة الصَّمَّاءِ»
لا يعرفُ الشكْوى الذَّليلةَ والبُكا*وضَراعَةَ الأَطْفالِ والضُّعَفَاء
«ويعيشُ جبَّارا، يحدِّق دائماً*بالفَجْرِ..، بالفجرِ الجميلِ، النَّائي
واملأْ طريقي بالمخاوفِ، والدّجى *وزَوابعِ الاَشْواكِ، والحَصْباءِ
وانشُرْ عليْهِ الرُّعْبَ، وانثُرْ فَوْقَهُ*رُجُمَ الرّدى, وصواعِقَ البأساءِ»
«سَأَظلُّ أمشي رغْمَ ذلك، عازفاً*قيثارتي، مترنِّما بغنائي»
«أمشي بروحٍ حالمٍ، متَوَهِّجٍ*في ظُلمةِ الآلامِ والأدواءِ»
النّور في قلبِي وبينَ جوانحي*فَعَلامَ أخشى السَّيرَ في الظلماءِ»
«إنّي أنا النّايُ الذي لا تنتهي*أنغامُهُ، ما دامَ في الأحياءِ»
«وأنا الخِضَمُّ الرحْبُ* ليس تزيدُهُ إلا حياةً سَطْوةُ الأنواءِ»
أخيراً أقول للانقلابين أنتم إنقلابيون شئتم أم أبيتم, أما الأخرون من أصحاب الحق فهم الإعصار الذي لن يستطيع أحداً أن يصمد أمامه لوقت طويل, لأن فيه قوة اليقين, وصوت الحق فمن ذا الذي سيواجه أيها الانقلابيون.
مروان المخلافي
من ذا يواجه الإعصار؟ 1334