أسابيع مرت وأشهر أيضا, والأمن في المدينة يتدهور يوماً بعد أخر والجريمة تنتشر في الجسد التعزي, كانتشار النار في الهشيم, ومع ذلك الانحدار الأمني ظل الرصيد الأخلاقي والاجتماعي في العاصمة الثقافية يستمر في النزيف حتى وصلت روحي إلى مرحلةٍ متجذرةٍ من اليأس والحزن المغلف بالعجز والحزن على حال مدينتي,
اليوم -ولأول مرة منذ أشهر- الانفلات والقتل وجدت نفسي أتمشى في الشارع والساعة متأخرة من الليل وذلك بعد خروجي من صالون الحلاقة رفقة الزميل "أركان أللطيفي" كنت حينها أمشي وعيناي توزعان نظراتهما, هنا وهناك كانتا؛ تنظران –وباستغراب- للشوارع التي تبدو على غير عادتها مليئةً بالمارة وبالسيارات وتنيرها المحلات التي مازالت مفتوحةً إلى حينها بعدما كانت تلك الشوارع إلى وقت قصير مضى, أقرب إلى صحراء خاليةً من البشر والمركبات وساحة أرضٍ خصبة لقطاع الطرق والعصابات المسلحة كنا نمشي سيراً على الأقدام رغم توفر وسائل النقل رغبةً منا بالانتشاء بأكبر قدر من تلك اللحظات النادرة ونحن نرى المدينة ضاحكةً مبتسمة متفائلةً مطمئنة وأخذ أكبر مخزون من تلك المناظر خوفاً على زوالها فور قدوم تجار التعاسة ونازعي الابتسامة, التي تعودنا على رؤيتهم وسماع أثارهم, وشم روائح الدم؛ التي ينثرونها بكل زقاق يمرون به, مررنا والناس مجموعات وفرادى منهم من يسير ومنهم من يلعبون الضمنة والضحكات تملأ وجوههم المكشرة قبل أيام, ومنهم من يلعبون لعبات أخرى ومن يمزحون ويتناقشون ويخوضون في قضايا الوطن المكلوم, حينها رأيت مدينتي على حقيقتها- رأيتها على طبيعتها الفكاهية والمنيرة- والأهم من هذا كله طبيعتها الإيجابية التي كاد يفتقدها الوطن والمواطن.
وبعد تلك الليلة الوردية في شوارع "تعز" صحونا على ملاحقاتٍ أمنيةٍ مكثفة تقوم بها الأجهزة الأمنية للمسلحين في الشوارع والحارات وعلى أخبار إنجازات حقتها تلك الأجهزة والأقسام, على غرار قسم "الجديري" في القبض على بعض القتلة والمجرمين والمطلوبين أمنياً,
هذه هي المدينة التي يشترك في صناعة أمنها الجندي والمواطن والمسئول, هذه هي المدينة التي ظللنا نراهن عليها لسنوات هاهي اليوم تسترد جزءاً ولو كان يسيراً من عافيتها مقاومةً كل المحاولات الرامية إلى؛ إغراقها في مزيد من الفرقة والضياع في مستنقع الاقتتال والانفلات الأمني هذه هي المدينة التي كانت ولا يراد لها أن تعود كما كانت.
كم سنسعد حينما تسترد المدينة كل ما فقدته لتعود الرائدة والقائدة لسفينة الوطن نشد, على أيدي الأجهزة الأمنية بقيادة مدير الأمن الجديد, الذي بدأنا نرى أثار عمله بعد استلامه له بساعات حيث أبدى كثيراً من العمل الجاد رفقة رجال الأمن وأقسام الشرطة,
واجبنا هو شكرهم ودعوتهم إلى مزيد من العطاء والعمل ونشد أيضا على أيدي الإدارة المحلية, فهدفنا واحد وحلمنا, واحد بد لنا أن نتعاون ونتكاتف؛ لتحقيق هذا الحلم الذي يشترك فيه كل أبناء "تعز" الشرفاء بعيداً عن المماحكات والاختلافات وبعيداً عن وصاية تجار الحروب وذابحي سكينة المدينة وكل المتآمرين على أمنها وأمانها.
محمد احمد عثمان
هذه تعز... 1353