كان أجدادنا فيما مضى يعيشون عيشةً بدائيةً بسيطةص برعاية الطبيعة, لذلك كانت نفوسهم مرحة جذلة إلا إذا انتابتهم المصائب أو حلت بهم حادثة أو وعكة صحية, فلما غطت أرجاء بلادنا المدنية الحديثة؛ حملت إلينا مالا عهد لنا به من قبل وما لا طاقة لنا به من ويلات وآفات ونكبات, وبات كل فرد منا يشعر بكآبة روحية دون أن يدرك السبب أو يعرف العلة فينسى أن أخبار الصراع الدائر في سوريا مثلاً والتي تبعد عنه مئات الأميال كل تلك الأخبار تتفلفل في سمعه وبصره ويضطرب لها عقله الباطن دون دعي منه.
فإذا أوى إلى فراشه شعر بأن أعصابه مجهدهً ونفسه قاتمةً مظلمةً لا يجد السرور إلى شعاب شجونها منفذاً, وإذا أصبح أقبل على عمله ضجراً متأففاً، بالحياة شاكياً متذمراً بضيق صدره بالأمور فلا يجد إلا ملاذاً أو أحداً يحتمي به وهو ادعاؤه بأنه عصبي المزاج وقد أصبحت كلمة ((عصبي)) صفة ملازمة لكل شخص تقريباً في بلادنا؛ نتيجة الانفلات الأمني في البلاد والاقتتال في بعض مناطق البلاد بين بعض الفئات والأخبار التي تنقلها لنا وسائل الأعلام؛ المقروءة والمسموعة والمرئية كلياً وعربياً ذلك ما يبرر بها أي شخص ضيق صدره وحماقته ويعلل بها بعض أخطائه وزلاته.
وقد كان الأطباء العرب ينعتون كل أمرئٍ شديد التأثر مرهف الحس، بأنه ذو مزاجُ عصبي لا قبل لهم بمعالجته؛ لأنه أكتسب هذه المزاج إرثاً، أما اليوم فإن المدنية قد جعلت كل فرد منا عصبياً وكيف لا يصبح المرء حساساً وهو يعيش في عصر السرعة الجنونية وعصر المتناقضات وتبدل مفاهيم الحياة واندثار القيم والعادات النبيلة الأصيلة وانعدام الوازع الديني والروحي في قلوب وعقول الناس.
إن الطب الحديث، يرد المزاج العصيب إلى نشاط في الغدة الدرقية وازدياد في إفرازاتها من الهرمونات، وقد عرف أخيراً أن بعض الخضروات والفواكه والمكسرات والحبوب لها فائدة إيجابية تحد من نشاط الغدة الدرقية.
يذكر من بينها "الجزر والسبانخ والحمص واليفطين واللوز" كل تلك المواد تفيد في تهدئة من يعاني من المزاج العصبي ويخفف من تأففهم وتشاؤمهم؛ وذلك لاحتواء هذه المواد على الفيتامين (أ) والذي يعتبر أشد فعاليةً من اليود وأبعد أثراً، كما يفيد أيضاً في إسراع النبض واحتراق الأغذية.
ولذلك ننصح العصبيين ومرهفي الحس باللجوء إلى الطبيعة، والارتماء في أحضانها ولو لمدة يوم في كل أسبوع بعيداً عن ضيج المدينة الحديثة الصاخب، بالإضافة إلى الاستحمام بالمياه الفاترة يومياً؛ لأن ذلك يخفف من شدة التحسس والنرفزة وتعاطي مغلي بعض الحشائش الطبية مثل "البابونج".
والآن نتطرق إلى بحث أضرار وأسباب فورات الغضب التي تصيب الكثير من الناس، فللغضب مظهران! أحدهما طبيعي "غريزي" والآخر سيكولوجي "نفسي" فيرافق الغضب نشاط في بعض الغدد الداخلية والتي تفرز مواد وتثخر في الدم بها مما يورث الوجه والعينين والأذنين احتقاناً بالدم وتشتد حركة الدوران ويتم إفراز هرمون الأدرينالين من قبل بعض الغدد فيكتسي الوجه صفرةً فاقعةً وتنقبض الشرايين وتتلاحق ضربات القلب، ويرجع السبب في سرعة الغضب إلى نقص في الوظائف "الفيزيولوجية" أو خلل في توازن مفرزات الغدد الداخلية أو ضعف في الأعصاب، وقد يكون لخلل في وظائف الكبد.
أما من الناحية النفسية فيترافق الغضب بانكماش مظاهر المدنية والإنسانية التي اكتسبها الإنسان بمرور؛ الزمن لتحل محلها شراسة رجل الغاب وغرائز الحيوانات الضارية المتوحشة فيقوم الغاضب بأعمال دون تدبر أو تعقل.
وبإمكان الطب أن يمد يد المساعدة إلى أمثال هؤلاء الغاضبين المساكين بين العطف والرأفة، عن طريق إتباع عدة محاور للعلاج ابتداءً بعلاج قصور الغدة الكظرية والغدة الدرقية وعلاج الكبد ليأتي دور المالج النفسي وذلك أيسر سبيلاً وأهون منالاً.
ولذلك ينبغي ترويض الإرادة وتقويتها وكبح زمام الأمور، في المواقف الحرجة والسيطرة على الغضب والانفعالات ونوازع النفس والشيطان، وذلك من خلال تقوية علاقة المرء بخالقه وقراءة القرآن والإكثار من الصلوات وتقوية الوازع الديني.
د. عبد السلام الصلوي
الطب يقضي على تهيج الأعصاب والوهن العصبي 2212