;
عبدالله المغارم
عبدالله المغارم

اليمن ما بعد مؤتمر الحوار.. 1210

2013-12-19 09:30:28


يشهد اليمن أصعب لحظات مرحلته الانتقالية، التي أعقبت ثورة الحادي عشر من شباط/ فبراير عام 2011 وأسفرت عن نظام خلا من رموز الأسرة الحاكمة، واكتظت هذه المرحلة بجسيم الأحداث، ففي الوقت الذي لم يستطع مؤتمر الحوار إكمال مهامه؛ لازالت فصائل الحراك الجنوبي تنشط على الأرض وتقوض أي مساعٍ لحسم القضية الجنوبية، ولا زالت جماعة الحوثي تقصف قرى دماج وتحول دون حل لقضية صعدة، والأزمات الأمنية والاقتصادية لا زالت على أشدها، وبين هذا وذاك، تتبدى أزمة التمديد للمرحلة الانتقالية ولهادي عبد ربه لتضفي على المشهد اليمني مزيدا من القتامة والضبابية.. اختلطت في هذه المرحلة أوراق كثيرة واختلت فيها توازنات عدة كان لها عظيم الأثر في زلزلة الواقع اليمني وزيادة إرباكه، وصارت الاختلالات الأمنية والاغتيالات السياسية والمكايدات الحزبية والمذهبية هي اللغة التي تتقنها هذه المرحلة، مع تلكؤها الكبير في لغة الحوار والتوافق وإيثار المصالح الوطنية.

أزمة التوافق

جاءت المبادرة الخليجية لتفرض هذا الأمر (التوافق) ليصبح اللغة المتبادلة التي يتحدث بها أطراف المشهد اليمني، ويتم على ضوئها تقاسم المؤسسات مناصفة بين الحزب الحاكم والمعارضة, قبلت المعارضة هذا الأمر على مضض ولم تجد غيره حلاً أمثل للواقع المتأزم إبان ثورة الشباب، الذين تم تهميش دورهم بعد كل التضحيات الجسيمة التي قدموها فداء لوطنهم وشعبهم, ظننا جميعاً أن التوافق سيكون حلاً مثالياً للأزمة وأن الأطراف كلها ستؤثر مصالح الوطن العليا وتتنازل عن مصالحها الذاتية، لكنه أصبح مشكلة كبيرة تضاف إلى قائمة المشاكل السابقة التي زادت من نسبة الاحتقان وشلت جسد الدولة بأذرعها السياسية والأمنية، وأعاقتها عن أداء واجباتها الوطنية. ففي ظل التوافق، زادت الاختلالات الأمنية وحوادث الاغتيالات لرموز سياسية مهمة، وكثرت الاعتداءات على مصالح الشعب وخدماته من كهرباء ونفط وغيرها، في ظل عجز حكومي مطبق ساقته الضغوط التي تستخدمها بعض الأطراف ـ باسم التوافق ـ إلى الاكتفاء بتقديم الإدانات والشجب فحسب! وبسبب التوافق، لم يكشف النقاب عن عشرات التحقيقات في ما يمكن وصفه بالجرائم الإنسانية المرتكبة بين الفينة والأخرى، خصوصا كبريات تلك الجرائم التي استهدفت رموز الدولة السياسية ومؤسساتها العسكرية والمدنية، كحادثة السبعين ومجازر الجنود في شبوة وحضرموت، وحديثاً التفجير الإجرامي الذي طال محيط وزارة الدفاع ومستشفى العرضي وخلف عشرات القتلى والمصابين.

حوار لم يكتمل!

تضمنت المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية جملة من المهام التي توجب على حكومة الوفاق إنجازها في فترة المرحلة الانتقالية المحددة بسنتين، كان من ضمنها الحوار الوطني الذي مثل الوسيلة الحضرية التي جنحت إليها الأطراف اليمنية لتفسير المشاكل العالقة وحلحلتها توافقياً، بما يحافظ على بنية الدولة ومكتسباتها.

 وقد أدى الوفاق دوراً إيجابياً في جمع الأطراف إلى طاولة الحوار، رغم غياب عدالة التمثيل، وسلبياً في إعطاء بعض الأطراف تمثيلاً أكثر من حجمه الحقيقي، وشكلت ـ تلك الأطراف ـ عقبة كأداء تعثر ركب الحوار وتضعضع إنجازاته المتوقعة.

أنهى المؤتمر عدداً من القضايا المطروحة بإجماع أعضائه وأنجز 90′ من قضاياه، كما صرح بذلك المبعوث الأممي جمال بنعمر، وتبقى عدد من القضايا الجوهرية التي أخرت مراسيم اختتامه ومنحته عمراً أطول من المدة المحددة له، فقد كان من المفترض أن ينهي المؤتمر أعماله في 18/9 من العام الجاري، ولكن نتيجة تأخر الحسم في القضية الجنوبية، من حيث عدد أقاليم الدولة الاتحادية، وقضية صعدة التي نشب فيها مؤخراً صراع مسلح بين الحوثيين والسلفيين بمنطقة دماج، شل إمكانية الفصل فيها, وإلى الآن لم يتم تحديد موعد اختتام المؤتمر لتجدد الأزمات والاختراقات الأمنية المتكررة.

كابوس التمديد وملامح مرحلة جديدة

أكد مستشار رئيس الوزراء/ راجح بادي، بأن ثمة تعديلات وزارية ستجرى قريباً وستطال وزراء فاشلين في الحكومة بسبب ضعف الأداء الذي شاب وزاراتهم, وقال جمال بن عمر في تقريره الملقى على مجلس الأمن بأن ولاية هادي لا تنتهي في فبراير وإنما بانتخاب, هذه التصريحات تقودنا إلى أن عملية التمديد متحققة وأن المرحلة الانتقالية لابد أن يزاد في عمرها حتى إنجاز كافة المهام المتعلقة والمتفق عليها في المبادرة الخليجية, ولكن يبقى السؤال الأهم: كيف ستتم شرعنة التعديل الوزاري المرتقب والتمديد لهادي فترة أخرى، وكيف تتم عملية إقناع الأطراف المشاركة بهذه القرارات؟ ويعتقد الكثيرون أن هذا لن يتم بسهولة ما لم يكن هناك اتفاق بين أطراف المرحلة يقضي بتمديدها حتى إنجاز كافة القضايا المتفق عليها، والإعداد الجيد للمرحلة القادمة التي تتطلب عديداً من المهام، منها تعديل الدستور والتهيئة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية, المهم أن مسألة التمديد باتت أمراً محسوماً، وهو ما أثار حفيظة أطراف في الحوار ككتلة المؤتمر ومن معها، التي ترى الاستمرار في العملية السياسية المخطط لها فرصة مواتية لاستعادة حكمها السابق الذي أزاحته الثورة، مستفيدة من إخفاقات الحكومة في الجانب الأمني والتنموي والتمديد بحد ذاته يعتبر كابوساً مقلقاً لأبناء الشعب اليمني, كونه يؤهل بقاء الوضع الأمني والسياسي المهترئ على حاله ويقلل من فرص الحل الممكنة.

تكهنات في المستقبل اليمني

موضوع التمديد هو مثار جدل واسع في أوساط الأطراف السياسية والشعبية وبسببه انقسمت تلك الأطراف إلى فسطاطين بين مؤيد ومعارض، وبين من ينادي بضرورة انتهاء المرحلة الانتقالية وقيام الانتخابات في موعدها المتمثل في كتلة المؤتمر وشركائه، وبين اللقاء المشترك الذي يدعي عدم اكتمال مهام المرحلة ويطالب بمدها حتى تحقيق تلك المهام، ويقطع الطريق أمام من يقول إنه يحاول تسويغها لمصلحته.

 وفي الوقت الذي كانت فيه أطراف الأزمة تتبادل الاتهامات بشأن الأحداث الأمنية وتدهور الأوضاع، عرفت البلاد أزمة اقتصادية خانقة دفع ثمنها الشعب بصبر يقولون إنه على وشك النفاد, لكن إذا تمكنت أحزاب المشترك ومعها أنصار هادي من تقديم مبررات منطقية للتمديد مع تحديد خارطة واضحة لمهام فترة التمديد، قد تجد فكرة التمديد قبولاً شعبيا، ولكن أغلب الظن أن ذلك سيكون لفترة محدودة ربما لا تتجاوز السنة.

الحديث الدائر بين المحللين السياسيين اليوم بأن التمديد سيكون لخمس سنوات أخرى بحسب الدستور اليمني ـ المجمد بالمبادرة الخليجية ـ الذي يحدد للرئيس فترة رئاسية واحدة تقدر بالسبع السنوات فقد مضت سنتان وتبقى خمس..!

البعض يذهب إلى أن فكرة التمديد لن تجد لها طريقاً سالكاً خشية من استمرار الصراعات وليس حباً فيمن يهاجم الفكرة من أنصار النظام السابق، أما إذا فرضت فكرة التمديد، فإننا قد نشهد عودة للتجمهر في الساحات والشوارع والشعب ـ في هذه الحالة ـ لن يملك قرار نفسه، ولن يرى مخرجاً وحيدا لأزماته غير الشارع، وسيخرج في انتفاضات جديدة تقوض المرحلة الانتقالية وتسقط كل من وقف عثرة أمام تحقيق أهدافه ووضع الشوك في طريق سيره إلى الديمقراطية.

يرى كثيرون أن المهمة الملقاة على عاتق رئيس الجمهورية وحكومة الوفاق الوطني تتعلق بسرعة البت في الإشكالات الحاصلة وإصدار قرارات حاسمة تسرع من عجلة التغيير وتكبل أيادي المعرقلين للعملية السياســـــية، والسعي نحو الحلول المعقولة بما لا يزيد من حالة التأزم ولا يجعل الدولة ومؤسساتها في موقف رخو مهلهل إزاء ما يحدث من تطــاولات واعتداءات تمس أمنها وسيادتها, وعلى الجماعات والأحزاب السياسية والقوى المختلفة استشعار المسؤولية وتغليب المصالح الوطنية على ما سواها وإبداء الرغبة في المشاركة الحقيقية في عملية البناء والتنمية التي ستنقل البلد من لجج الفساد المظلمة إلى شواطئ النهضة والتنمية، حيث الأحلام المتحققة والعيش المشترك.

حينها فقط يمكن لبعض جوانب الأزمة أن تتحلحل وتتفكك، وحينها يمكن أن تجد فكرة التمديد المشروط بضمانات إنجاز مخرجات الحوار وبتزمينٍ دقيق قبولاً مصحوباً بقوة قرارات الرئيس في اتجاه الإصلاح الحقيقي وبناء دولة قوية دولة المدنية والمواطنة المتساوية التي قامت من أجلها ثورة الشباب الشعبية السلمية.

القدس العربي

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد