في هذه الحلقة سنتعرض لإحدى صفات المبشرين في الجنة وهي الحب.. هل جربت يوما أن تنام وليس في قلبك شيء على أحد.. هل جربت ليلة أن تضع جنبك وأنت صافي الذهن, بعيداً عن هموم ومشاكل الدنيا.. إذا كنت جربت ذلك فأنت أحد الذين سأذكرهم لاحقا أما إن كنت لم تجرب فلست من قائمة أهل الجنة وعليك أن تتحلى بالصبر وتتعلم من أهل الجنة.

في حديث قصة عبدالله بن عمر ـ رضي الله عنهما مع الرجل الأنصاري ـ قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يطلع الآن من هذا الفج رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه وقد علق نعليه بيده الشمال فسلم، فلما كان من الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم: مثل ذلك فطلع ذلك الرجل بعينه مثل المرة الأولى، فلما كان يوم الثالث قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مثل مقالته أيضاً فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأول، فلما قام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، فقال عبد الله: إني لاحيت أي خاصمت أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثا، فإن أردت أن تؤويني إليك حتى تمضي الثلاث فعلت؟ فقال: نعم، قال أنس: وكأن عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئا غير أنه إذا تعار بالتشديد أي استيقظ وتقلب على فراشه ذكر الله تعالى وكبره ولا يقوم حتى تقوم الصلاة، قال غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا فلما مرت الثلاث وكدت احتقر عمله فقلت يا عبد الله إنه لم يكن بيني وبين والدي غضب ولا هجرة ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك أي عنك ثلاث مرات يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث مرات، فأردت أن آوي إليك فأنظر ما عملك فأقتدي بك، فلم أرك عملت كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما هو إلا ما رأيت، فلما وليت دعاني وقال ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد لأحد من المسلمين في نفسي غشا ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله تعالى إياه فقال عبد الله: هي التي بلغت بك بعيدا عن تفسيرات أهل الحديث من صحة أو ضعفه، سأنطلق من زاوية مختلفة أولا سعي عبدالله بن عمر وهو من قال عنه ابن مسعود إنه من أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا وذلك للبحث عن حجة للمكوث مع هذا الرجل واستيقاظه طوال الليل يترقب حركات وسكنات هذا العبد المسكين وللتعرف عن قرب لعله يظفر بصفة أهل الجنة ظاهر القصة تحكي انشغال ابن عمر خلال الثلاثة أيام كمراقب بعكس الرجل تماما الذي كان لا يدري ولا يبالي بما يسعى إليه ابن عمر وهو الذي نعرفه في هذه القصة، لكننا لا نعرف اسم هذا الرجل ولا كنيته ولا عمله فالمعنى الحقيقي في هذا الرجل المجهول الذي إن صح الحديث فهو من أهل الجنة ليس لأعماله الكبيرة ولكن لأنه لا يحمل في نفسه غشا ولا حسدا لأحد ، عمله العظيم أنه يحمل قلبا صافيا ليكون من أهل الجنة.

عمليا.. خلاء قلب هذا الرجل من تشوهات الحسد ونقاء نفسه من الغشوات هو المعنى الحقيقي للجنة، فقلبه مفعم بالحب والنقاء وهو عكس الحسد, وعن الحسد وما أدراك ما هو تقول المحللة النفسية ميلاني كلين أن الحسد هو "الشعور بالغضب الذي يشعر به إنسان عندما يرى أن إنسانا آخر يملك شيئا يتمنى هو امتلاكه".

فدافع الحسد يجعل صاحبه يميل إلى الاستحواذ على الشيء الذي يملكه الآخر أو إلى تحطيم ذلك الشيء، ويرغب فيه بعنف.

إذا ما هو الحل؟ شحذ القدرة على حب الآخرين، ولهذا الحب الموجود بداخلهم يقودهم نحو عطاء تلقائي يشعرهم بحب العطاء نفسه كما أن توسع دائرة الحب ليكون الحب دافعا نحو التعامل في العلاقة العمودية (والتي هي مع الله) أو العلاقة الأفقية (مع الناس وكل ما هو حوله من مخلوقات) خالياً من المصلحة والتبادل النفعي، فهناك رجلان يظلهم الله في ظله تحابا وافترقا عليه، فالحب يؤدي إلى استقرار النفس وسكينتها وهدوءها واتزانها، وتلك هي أولى الانعكاسات المباشرة داخل النفس، وهي آثار تغلغل الحب في خلايا النفس والإرادة، وتبرز حالة الصفاء والراحة وتكون دافعاً قوياً إلى حد كبير جداً لأنها نابعة من الداخل.

لو تصورنا العلاقة بهذا النموذج, بالتالي ستكون حياتنا كلها مفعمة بالحب والمودة والاحترام يقول أطباء النفس إن مذهبات الراحة النفسية والصحة النفسية، وهى القلق المبالغ فيه والخوف من كل وأي شيء وحمل الهموم وكثرة التفكير والتفكير غير الفاعل والسلبى، وكذلك عدم القدرة على تخطى المشاكل بسبب الإحباط، والتركيز والوقوف أمام كل المشاكل.

وعلى عتبات وغرف انتظار أطباء القلب والأطباء النفسانيين تجد قائمة طويلة من الذين يبحثون عن الهدوء النفسي والسعادة مبتغاهم الدائم هو محاولة الإحساس بنوع من الاطمئنان حتى يجعله يعيش في هذا الحياة فالذي يعيشون في حب الله وحب الآخرين، يعيشون في جنة الحب وتعيش جنة تملؤها حدائق من الراحة النفسية وأنهار من الاطمئنان، فهؤلاء المحبون يقضون وقتهم في بناء جنتهم وزرع السكينة ويقتلعون في طريقهم كل مظاهر القلق والعنف.

وحكمتهم كف عن الحسد فنجاحك لا يستوجب عليك أن تسعى لفشل غيرك وقالوا التفكير في الهم يزيد الهم فانتبه عزيزي المحب لكل المشاعر السلبية تؤدي إلى جمود ذاتك وهدم أسوار جنتك لتكون مرتعا للذين يشوهون جمالها ونقاءها وفطرتها ولقد قيل الحب يقضي على الكثير من الآلام لأنه أعظمها.

والنفسُ من خيرها في خير عافية

والنفسُ من شرها في مرتع وخِم

أحمد شوقي