إن سكوت أو صمت المعروف عن المألوف -خوفا أو طمعا- يجعل المنكر يستغل ذلك المألوف ليجنده لصالحه؛ ليصبح المنكر بعد ذلك هو المعروف عينه ,بعد أن وضع بصمته الطويلة والمتطاولة في مخيلة ووعي الأمة بسيطة الثقافة، وهنا يجد الدكتاتور الفرصة والفرص لمزيد من التعمية، باستغلال جمود الوعي، فلا يجد الا الاستخفاف بأمة قد أخذ منها الجمود الفكري كل مأخذ، لتجد الله تعالى: يقول على لسان المستبد: (أليس لي ملك مصر وهذا الأنهار تجري من تحتي) إنه استخفاف مرير وجد المستبد إليه من يميل (فاستخف قومه فأطاعوه). ولمَا عرف أو تيقن المستبد من رعيته أو عبيده؛ تلك الطاعة الآلية العمياء بغمام العاطفة -الذي قفل أو أوقف اتصال القلوب بالعقول- استطاع أن يأخذ تفويضاً منهم باستئصال الحق بعد أن ألبسه ثوب البدعة تارةً وثوب الإرهاب والإفساد تارةً أخرى وذلك ، بعد أن قام بتلك المجزرة الفضيعة والبشعة التي تناولت الأطفال ليكون فرعون هو أول من قتل الأطفال ، لأنه سمع بطفل ثائر سيأتي على ملكه ,فخاب وخسر حيث إن قدرة الله جعلت مخابرات الفرعون بئيسة وتعيسة حيث جعل الله الفرعون يربي الثائر بيديه ويصنعه على عينه ، إن هذا المستبد استغل طابع العبودية وختمها الذي ختمته تلكم السنون الطوال في ضمير ووعي الأمة ليقول مخاطباً الأمة وطالباً التفويض (ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد) إن التمادي في السكوت هو من جعل المنكر أو المستبد يُلبس الاستبداد والعبودية ثوب الدين والتقديس., وإن تغيير وضعٍ قد أُلبس ثوباً مقدساً نتيجة صمت المعروف عقوداً يحتاج إلى ضريبةٍ بفاتورة ٍكبيرة؛ لأن دين الحرية ودين المعروف قد أصبح غريباً ساعة ذلك في مخيلة الأغلبية الشعبية ,وهذا يسهل على الطاغية ؛استعمال مزيداً من الطغيان لهذا قال سيد الخلق "بدأ الدين غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء" وطوبى هي شجرةُ في الجنة يمشي الراكب تحت ظلها خمسمائة عام وليس في هذا مبالغة؛ لأن في الجنة كما قال سيد الخلق "أعددت لأمتي ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" وإذا كان هذا شأن شجرة طوبى في الجنة فكيف ببقية الطيبات !! إن الثائرين وثوراتهم في سياق تكتظ فيه الأرض بأقدام المتآمرين هم الغرباء والله قد وعدهم بالجنة النفيسة لأن ثمن الحرية (الحياة المعنوية) نفيسة أيضا (إِنَّ الله ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ) وهذه الجنة ثمن حرية الأحرار فلا قيمة تبقى لتضحياتهم وبردهم تجاه ما أعده الله لهم في الجنة فلا تبقى بعد ذلك قيمة تذكر للبرد والقتل الذي يعاني منه السوريون الثائرون وكذلك اليمنيون والمصريون والليبيون والتونسيون فصبرُ يا ثوار فإن موعدكم الجنة والسلمية والمسامحة مع القتلة لن تستمر حتى لا تستثمر طويلاً !!.
د.حسن شمسان
الثورة ..والغربة! 1545