إن مهمتنا جميعاً وخاصة العرب المسلمين, فهم الإسلام، وإن المشكلة فيما يخص فهم الإسلام والتنظير لحقوق الإنسان تكمن في الجهل بفقه الدين وبفقه التدين وبفقه الواقع وبفقه التوازن في الإسلام، والمشكلة تكمن بكسل وجهل وتخلف المتأخرين من المسلمين، أما معظم علماء الفكر التربوي الإسلامي قديماً وحديثاً فقد قدموا إسهامات فكرية وتطبيقية عديدة، شملت حق الإنسان في الحياة وفي العقيدة وفي العدل، وفي تحقيق الأمن المادي والأمن النفسي، والأمن المعنوي، والأمن الصحي وحرية التعبير عن الرأي، وحق التفكير وطلب العلم، وحق السكن وحق التنقل، وتحقيق القيم والأخلاق وهذه المجالات والمفاهيم هي التي تشكل معايير ومؤشرات حقيقية للتنمية الإنسانية الشاملة.
والذي أخفق فيه علماء وفقهاء ومفكرو المسلمين هو التنظير السياسي وآلياته وأحسن من نظر عملياً وآلاتيا هم الغربيون، وهذا ليس حديثنا، حديثنا عن اهتمام الاسلام بالإنسان وحقوق الإنسان ولهذا فمعرفة الإنسان ومكوناته ووظيفته ودورة الحياة وحدود طاقاته، وأساليب ووسائل تنميته تعد من أولويات الفكر التربوي الإسلامي، وما اختيار الله سبحانه الإنسان لحمل رسالة الإسلام وجعله خليفة الله في أرضه والمحور الذي تقوم عليه وبه عملية البناء والتنمية والتطوير في المجتمع إلا خير شاهد على ذلك قال تعالى "إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا" [الأحزاب:72ب].. وقال تعالى " وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون " [البقرة:30].
وهذا يظهر الفرق بين أن يكون أحد عناصر الحياة، وبين أن يكون خليفة الله في أرضه، ولهذا تكمن إنسانية (الإنسان) في ارتقائه إلى الدرجة التي تؤهله للخلافة في الأرض وأنه المختص بالعلم والبيان والعقل والتمييز قال تعالى "خلق الإنسان * علمه البيان" [الرحمان:3ـ4] وقال تعالى "علم الإنسان ما لم يعلم" [العلق:5] وبيان تفضيله، وورود لفظ (الإنسان) في خمسة وستين موضعا من القرآن الكريم، بينما منها خمسة وعشرون موضعا في بشرية الرسل والأنبياء، ومنها قوله تعالى " فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لا نزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين" [المؤمنون:24]..
وهذا بدوره يبين أن هناك فرقاً دقيقاً بين كلمتي البشرية والإنسانية والبيان القرآني والنبوي يجلو عن هذه الحقيقة, حيث تمثل لفظة البشر الآدمية المادية التي تأكل الطعام وتمشي في الأسواق وفيها يلتقي بنو آدم جميعا، "وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون " [المؤمنون:33]، بينما تشكل اللفظة الثانية إنسانية الإنسان ماديا ومعنويا، المتفاعل بكيانه كله مع بيئته ومجتمعه، قال تعالى "لقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد"[ق:16]..
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، وتأهيله للتكليف بكل كيانه جعله يأخذ صفة الإنسان.
وخلاصة القول إن لفظة بشر تمثل حالة أدنى من الإنسانية، بينما لفظة إنسان تمثل حالة راقية من الوجود الإنساني، وهذا يبين أن التنمية البشرية ذات دلالة أضيق ومحدودة من التنمية الإنسانية التي تمثل نهجاً أصيلاً شاملاً يهدف إلى إحداث تطوير وتغيير مستمر وشامل لقدرات الإنسان المعنوية والمادية تحقيقاً لمقصود الله تعالى من الاستخلاف وعمارة الأرض.. وهذا بدوره يستدعي بناء فلسفة وسياسة وأهداف تقوم على أساس المفهوم الشامل للتنمية الإنسانية باعتبارها تستهدف الإنسان روحاً وفكراً، جسداً ووجداناً، سلوكاً وتطبيقاً، في إطار متطلباته واحتياجاته المختلفة، وطبيعة مجتمعه وتراثه الحضاري، ضمن تعاون إقليمي وتكامل أممي بعيداً عن التبعية وتأكيداً للهوية.. والله الموفق
محمد سيف عبدالله
رسالات السماء جاءت من أجل الانسان 1393