الأطباء نفر من الناس تتحكم بهم "الموضة" والبدع كما تتحكم بالنساء، وليس ذلك الأمر المستغرب، أو ليس الأطباء بشر لهم غرائزهم كبقية الناس؟، فإذا كانت نفوس النساء ميالة إلى الأخذ بكل جديد مبتكر، فنفوس الأطباء تواقة أيضاً إلى البحث عن كل متسجدٍ و مستظرف، ولكن الفارق بين البدعتين بسيط، فبدعة النساء تسعى لملء خزائن أصحاب الأزياء ومعاملها من جيوب أفراد الشعب، بينما موضة الأطباء تهدف إلى نشر السعادة والطمأنينة على البشرية مقابل خسارة جهد الجسم والعقل، ونكران الذات والابتعاد عن الملذات من الفئة العالمة الباحثة.
والموضة مزيج من غريزة حيوانية بخلق إنساني، هي اجتماع غريزة الانقياد والتقليد بخلق الابتكار والتجديد.
كان من جرًاء ذلك جريان الموضة وتبدلها بين وقت وآخر وقد عرف هذه الخاصية البشرية المشرفون على إنتاج المصانع، فلضمان رواج بضاعتهم يخرجون إلى الأسواق كل سنة، إن لم تختلف في الجوهر والتركيب؛ فهي تتابين من حيث المظهر والترتيب، والأطباء نفر من هذا المجتمع المسمى بالناس يخضعون لما يخضع الناس له من غرائز وسنن وقوانين.
لقد ندًد أحد أطباء الغرب بالزائدة الدودية بخطرها على حياة الإنسان؛ فلقي التأييد من زملائه، وقد عمت هذه البدعة في مستهل الغرب الماضي، حتى جاء زمن كرست فيه المسشفيات الجراحية جلً أوقاتها لرفع الزوائد الدودية عن المتهافتين المتكالبين.
ثم نشر بحث مستفيض عن ضرر الأسنان وأنها بؤرة خطرة تعشعش فيها الجراثيم؛ فترسل سمومها إلى الجسم وتسبب اضطرابات مرضية وآلاماً في الجسم، فغالى الأطباء في تصديق الخبر ونصحوا مرضاهم باستبدال أسنانهم الطبيعية بأخرى صناعية وتهافت الناس على أطباء الأسنان ثم جاءت يد الزمن فعفت على آثار هذه البدعة وتخلص الناس من شر إسشرائها.
وانتشر سريان البدع الطبيعية في أميركا وأوروبا بشكل غير عادي، أما الأمثلة في الشرق وخاصة في الدول العربية والإسلامية على سريان الموضة الطبية بين الأطباء ومن يمارس تلك المهنة، فأكثر من أن تستوعبها هذه العجالة، لقد مرت بنا شهور وسنوات لا نسمع خلالها إلا حديث الفيتامينات: هذا الفيتامين يشفي الصداع والأمراض العصبية وهذا مقوٍ للنشاط والقدرة الجنسية، وهذا للشعر ولإطالة العمر، وهذا للتسمين ومكافحة النحالة وزيادة الوزن، وتسلًلت الفيتامينات إلى طعامنا وشرابنا ووصفات الأطباء قلما تخلو من عنصر أو عنصرين للفيتامينات رغم أن بلادنا بلاد الشمس الضاحكة، باعثة الفيتامين (D ) في الأجسام وبلاد الفواكه والخضروات مصدر الفيتامينات الحقيقي ثم مر علينا زمن احتلت فيه بعض الأدوية والمضادات الحيوية مكانة مرموقة في العالم الطبي العربي، وخير دليل على المكانة المرموقة التي استحوذت على اهتمام الأطباء والصيادلة البنسلين ومشتقاته وبدأت الأوساط الطبية في استخدامها لعلاج كثير من الأمراض خاصة الالتهابية، حتى صار في نظر الأطباء البلسم الشافي من كل داء "يحي العظام وهي رميم" وقد بدأ الاتجاه الطبي منذ سنوات يتطلع إلى الطاقة الذرية وتسخيرها في زمرة البدع الطبية والاستفادة القصوى من تلك الطاقة.
وبدأت المستشفيات ومراكز الأبحاث الطبية في استخدام الطاقة الذرية لمعالجة المصابين بالسرطان أو سواه من الأمراض.
وهكذا أصبحت الموضة علمية كانت أو شعوبية كالكهرباء تدخل في كل شيء وتستعمل لكل شيء ولله في خلقه شؤون.
د.عبدالسلام الصلوي
تطًور الموضة الطبية! 1245