إن ديننا دين الإسلام هو دين الفطرة الذي ارتضاه الله تعالى لعباده إلى قيام الساعة، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}(المائدة : 3).
وقال الله تعالى :{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(آل عمران : 85) إنه الدين الذي جاء لينظم الحياة كل حياة في كل زمان ومكان، ولا يضل عنه إلا هالك انتكست فطرته، وعمي بصره، وطمست بصيرته، وسفه نفسه , وتنكب عن ملة إبراهيم -عليه السلام- قال الله تعالى :{وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ... }(البقرة : 130). فالمسلم الحق يحذر سبل الغواية، والصــــد عــن سبيل الله، وما أكثرها وأكثر دعاتها، قال الله تعالى:{الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ }(الأعراف : 45) , وهم يعملون ليل نهار على تبديل شرع الله ومنهاجه القويم، ويصرون على إرساء قواعدَ لمناهج غربية، من علمانية وديمقراطية، أو دعوة إلى مناهج تشوّه حقيقة الإسلام، تقوم على البدع والمحدثات، وتعمل على عودة الأمة إلى عبادة الأفراد وإن كانوا صالحين؛ لتعميق السلالية تحت غطاء العواطف الدينية ومحبة آل البيت -كما زعموا- وفي ذلك كلّه مصادمة لصاحب الرسالة الذي بلّغ ما أمره الله خير بلاغ.
إن الصادين عن سبيل الله يبغونها، عوجاً فيحلّون ما حرّم الله ورسوله، ويستبدلون حكم البشر بحكم الله، واتباع الملالي باتباع رسول الله-صلى الله عليه وسلم- ويستبدلون القوانين البشرية بالكتاب والسنة، والرذيلة بالفضيلة، والفرقة بالتوحد، والعداوة بالمحبة، والخوف بالأمن، والاحتراب بالسلام؛ فلنكن على حذر من فتنة المفتونين، وزخرف قول المبطلين، وبريق شعارات المنافقين، وزيف دعوات العلمانيين .
وبما أن الإيمان يمان والحكمة يمانية , فلابد من مخاطبة اليمنيين بمنطق الإسلام والإيمان لا غير، ومعلوم أن الإسلام ما هو إلا الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك والمشركين، والمفاصلة للطواغيت و رؤوس الضلالة من أهل البدع وأصحاب الدعوات الهدامة إلى تدمير المجتمعات الإسلامية، والتي استُوردت أو قدمت علينا من الغرب الصليبي، أو المعسكر الإلحادي، أو الفرس المجوسي بمسمّيات شتى، فتارة باسم الشيوعية والثورة العمالية الكادحة -والحمد لله انكدحت واندثرت- وتارة باسم الديمقراطية وما تفرع عنها، وهي التي غرّت الكثير من أبناء جلدتنا، وتغنّى بها كثير من قادتنا، واغترّ بها كثير من طلاب العلم، ولا بد من اندثارها كما اندثرت أختها من قبل، قال الله تعالى: {أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِين َثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ}(المرسلات:16-17)، وقد تأتي الفتن بالتباكي على أهل البيت زوراً وبهتاناً؛ وأهل البيت لا يقرون لهم بذاك، والسعيد من انكشف له الغطاء، وعرف أن العداوة مع (الشيطان الأكبر) قد انقلبت إلى صداقة حميمة واتفاقيات معلومة، وما خفي كان أعظم، قال الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (ق:37). كم نحن بحاجة في خضم الصراعات السياسية والمكايد الحزبية، أن نعرف أن الإسلام تصديق واستجابة لكل ما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- وتطبيق لأسس الإسلام الدينية، وفي طليعة ذلك الاعتقاد الصحيح بوحدانية الله تعــالى، والشهـــادة لمحمـــد -صلى الله عليه و سلم- بالرسالة وإقامة الصلاة , وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والولاء للمؤمنين، والعداء للكافرين، وغير ذلك من شرائع الدين.
إن صحة إسلام المسلم، وصدق إيمان المؤمن؛ لابد له من دليل وبرهان، دليل يشعر بتغلغل الإيمان في القلب، وبرهان يؤيد صدق الاستسلام والانقياد لكل تعاليم الإسلام؛ ولهذا عرّف النبي -صلى الله عليه وسلم- المسلم والمؤمن، فقال -صلى الله عليه وسلم- : «المسلمُ من سلِم الناسُ من لسانه ويده، والمؤمنُ من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم»( )، ولا يكفي أن يقول الرجل: أنا مؤمن ثم لا يستقيم على تعاليم الإيمان؛ فالاستقامة هي ثمرة الإيمان وكرامة الله للإنسان، قال الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}(فصلت: 30) ومن وصايا الرسول -صلى الله عليه وسلم- لبعض أصحابه : (قُلْ آمنتُ بالله ثُمّ استقِمْ) ( ) إن اتباع الهوى، والميل عن النصوص القرآنية أو النبوية، أو تحريفها؛ هو مقدمة حتمية للضلال والمستقبل الأسود قال الله تعالى: {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}(ص:26).
يجب علينا نحن أبناء اليمن أن تتظافر جهودنا لدفع الشر وجلب الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نصيحة أبناء اليمن جميعاً، وتحذيرهم من الفتن التي أطلّت برأسها، وتمثلت بالتفجيرات والاغتيالات والاختطافات وقطع الطرقات، كل ذلك نفقٌ مظلم وطريقٌ مدمّر للأمن والاستقرار.
ولهذا علينا أن نعمل على استقرار الأمن؛ فطلب الأمن مقدّم على طلب الغذاء والماء؛ لأن الخائف لا يتلذذ بالأكل، ولا يهنأ بالنوم، ولا يطمئن بالعيش، ولهذا لما دعا إبراهيم -عليه السلام- لمكة المشرّفة، دعا لها أولاً بالأمن ثم الرزق، قال تعالى:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ}(البقرة : 126).
فالأمن مطلب ضروري لكل البشر، ولا يتحقق الأمن بالظلم وبالدكتاتورية، ولا بالاشتراكية، ولا بالديمقراطية ولا بالدعوات السلالية، إنما يتوفر فقط في منهج واحد وطريق واحد، ألا وهو الإسلام والحكم به , وتاريخ العرب قبل الإسلام شاهدٌ على ما عانوه من حروب ودمار، وحاضر العرب -عند تخليهم عن الحكم بالإسلام- شاهد على خوفهم وتفرقهم، وضعفهم وعدوانهم، ولم يحصل لهم الأمن والعزة إلا في ظل الإسلام، قال الله تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا }(آل عمران : 103).
إن واقعنا في اليمن اليوم، وما يحدث من قلاقلَ وكثرة القتل، فلا يدري القاتل لم قتَل؟ ولا يدر المقتول لم قُتل؟ دليلٌ على خطورة الوضع. فعلى الجميع استشعار المسؤولية، والأخطر من ذلك ما وقع من حادث إجرامي استهدف وزارة الدفاع، في الثاني من صفر (1435هـ)، وهذا يحتّم علينا جميعاً الوقوف صفاً واحداً لإنقاذ اليمن وإخراجه من شراك التآمر , ومن أن يكون ساحة لتصفية الحسابات والصراعات على حساب دماء وأشلاء أبناء اليمن.. فأفيقوا يا قوم وتذكروا قول الله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}(الأنفال : 25).
ومع خطورة وبشاعة التفجير الإجرامي لوزارة الدفاع، وقتل الأبرياء الذين لا ذنب لهم إلا حماية الوطن؛ أذكّر بخطورة حصار طلبة العلم في دماج من قبل فئة امتلأت قلوبهم حقداً وكراهية لأبناء اليمن , والذين لا ذنب لهم إلا أنهم يقولون ربنا الله...
إن هذين الحدَثين (حصار دماج , وتفجير مبنى وزارة الدفاع) مؤشرٌ خطير لإدخال اليمن في صراعات طائفية ستحصد الأخضر واليابس ما لم يتداركها عقلاء اليمن، وتقع المسؤولية على القيادة السياسية خاصة, وعلى أبناء اليمن عامة.. اللهم سلّم.. اللهم سلّم.
الشيخ/ عبد العزيز الدبعي
مدلولات حصار دماج وحادث وزارة الدفاع 1912