في تعامل الأقوياء في عالم اليوم ثبت أن الاختلاف في التعاطي ولُعبة السياسة بمفهوميها الممكن والقذر "لا يُفسد للمصالح قضية ولا يعترف للأغبيـاء بعلاقة ضمان الاستمرارية وهذا ما تجسده في الواقع العلاقات الإيرانية الأمريكية, فالطرفان تربط كل منهما بالآخــر علاقة عضوية تحكمها المصالح وإن اختلفت المفاهيم والايدلوجية تظل سياسة المصالح هي الحاضرة وعلى أساسها يكون التعامل وأنا هنـا لستُ ملزماً بتصفح بعض القراءات النظرية والرؤى الآنية للتعاطي مع حقيقة العــلاقات الأنموذجية التي تربط الجمهورية الإيرانيـة بالولايات المتحدة الأمريكية ولكني سـوف أتنـاول الحالة من منطلق منهجي ومرجعية سياسية تاريخية وشواهد موضوعية التقى فيها البلدان على مائدة المصالح وجلسا معاً على طاولة الغنيمة والحقيقة هي أنه لا توجد بين الطرفين الإيراني والأمريكي شيطنة وابلسـة وما هذه المصطلحات الصوتية إلا مجرد شعارات جوفاء في اللُعبة السياسية بينهما تعزفها طهران وتُغنيها واشنطن وتتراقص على أنغــامها بعض العواصم العربية المترفة بالنفط والغبـاء معاً وهنا نجد الكثيرون يهلل ويجتهد في الطرح ويجهد نفسه وقلمه في تحليل التقارب بين " طهران واشنطن " وكأن الحدث وليد ".
العُمرة السياسية " للرئيس الإيـراني حسن روحاني إلى بيت الكـابواي الغـرام أو السعي بين نيويورك وجنيف 2 والتبرك بالبيت أو الهرولة في ساحة تمثال الحرية بل الحقيقة الماثلة للجميع من ذوي الفكر الرصين والحس السياسي المتابع لمجريات الأحداث يكتشف دون ميكروسكوب أن محطات التقارب لم تبتعد يوماً ما ولم تنفصم على الإطلاق حيث توطدت العلاقة بين ما كان يُسمى عبطاً بأهم أقطـاب محور الشر وعبثـاً الشيطان الأكبر بعد سقوط الشــاه كعميل انتهت صلاحيته وبدأت اللُعبة تتخذ مسار أخر اتسم بالود مع تلميعه ببعض المسكنات كأحداث السفارة الأمريكية في طهران وما تلاها من عملية انزال لتحرير الرهائن الأمريكـان ولكي لا يجرح الشيطان الأكبر أتباعه في المنطقة, وظل يمارس معهم سياسة "الحِمار والجزرة" تاركاً لرأس محور الشر مساحة من الهدوء وما حياده في حرب الخليج الأولى إلا مُسكن سياسي تناوله الأعراب للاستشفاء من الموقف الأمريكي وفي لحظة الحسم المتفق عليها بين الشيطان الأكبر وقطب محور الشر افتعـلا أزمة حرب الخليـج الثانية بعد أن ضمنـا كل المواقف المُنبطحة للحُكام العرب والبصم الجماعي على وثيقة تدمير قطر العراق العربي واغتيال قيادته السياسية وكوادره الوطنيــة الفاعلة في كل المجالات وما أن نفذ الشيطان الأمريكي الأكبر المخطط باحتلال العراق حتى أنقض الشريك الحقيقي الملقب لدى الإدارة الأمريكية برأس محور الشر من طهران ليسوم العراق والعراقيين الموت القادم من الشرق ويستلم العراق مرحليــاً من شريكه الأمريكي بعد أن سانده في عملية الاحتلال بالمليشيات والفيالق الثورجية ومنع إعادة سلاح الطيـران الجوي العراقي من قواعده.
هنا الشاهد الأول والأهم لأزلية العلاقة بين طهــران وواشنطن, تسليم العـراق كبوابة شرقية صفدت الأحلام الفارسية وردعتها عن التوغـل في المنطقــة لتحيق أهدافها الإمبراطورية التوسعية ولم يكن ذلك ليـأتي من فراغ بل هدية كُبرى قدمهـا الشيطان الأكبر لصديقه الإيران كعربون لبناء جسـور الثقة والتوافق القادم على مشروع جديد ينفذه الطرفان بالتقاسم كبديل سياسي لمشروع الشرق الأوسط الذي أثبتت المقــاومة العربية بكل أطيافها الفكرية وانتماءاتهـا السياسية فشله كقوى شعبية بغض النظر عن الحُكام.
يُخطئ تماماً من يعتقد أن التقارب بين طهران - واشنطن سياسة تكتيكية يمتهنهـا الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني سعياً منه للجمع بين مطالب الإصلاحييــن في بلاده بالعمل على رفع ما يُسمى العقوبات وتطبيع العلاقات مع دول العالم؟.
هناك البعض ممن يتفق مع حِبر قلمه يتعقــد "أن خلافاً جدياً بين طهران" المحافظين والإصلاحيين "وواشنطن" الديمقراطيين والجمهوريين بخصوص البرنامج النووي الإيراني أو شرعنة ما يُسمى بدولة الكيان الصهيوني في فلسطين, فالبرنامج النووي لإيران يسير بخُطى متسارعة والتخصيب يتطور يوماً بعد أخر وربما يكون بمساعدة من الشيطان الأكبر وإن لم يكن فغض النظر.
الكيان الصهيوني يهدد قولاً ولا ينفذ عملاً.. ضرب مصنع الشفاء للأدوية في السودان, ضُرب المفاعل النووي للأغراض السلمية في العراق, سلمت ليبيا مشروع برنامج نووي سلمي تحت الإنشاء وبالمقابل تفاوض مع الصديق الإيــراني.
ما أريد التأكيد عليه هنـا أن سياسية الولايات المتحدة المبنية على أساس "لا صداقة دائمة ولا عــداوة دائمة " تلتقي مع السياسة الإيرانية " أن لا تفــاوض يمنع التخصيب ولا رفض يحرج الشيطان اللفظي أمام أصدقائه وأتباعه من عرب اليوم "فالمد والجزر ممكن بشرط أن لا يؤثر بعملية نحت على المصالح والتوافق على إيجاد مشاريع وبدائل تخدم البلدين الأمريكي والإيراني", وهنا يعلم الشيطان الأكبر أن محور القطب الفاعل في محور الشر "العراق, سورية, لبنـــان", بات بالنسبة له خط أحمر وبالمقابل فهو يثـق بأن ما هو في مساحة الخط الأحمر بات يمثل خطوط صفـراء بالنسبة للصراع العربي الصهيـوني وبذا يكون الشيطان الأكبر قد حصن ربيبته البلفورية المتفسخة احتلال واستيطان على الأرض العربية الفلسطينية ولن يُعد هناك أي خطر طالما التقى الثقلين بتصنيفهمـا اللفظي وتوافقــا على تفكيك دول الممـانعة كشعوب وليس أنظمة ونتاج طبيعــي هنا أن يكون الصراع الطائفـي وتوجيه مسار الربيع العربي إلى منعطف الصراع الداخلي في عملية منظمة تدير القتل والتدمير للبُنـا التحتية والبشرية كمشروع فاعل وبديل للصراع العربي الصهيـوني.
إذاً أكرر هنا بل أوكد الحقيقة إن لا يوجد على الواقع الملموس بين الطرفين السياسيين في الإدارتيــن الأمريكي والإيرانية "شيطنة ولا أبلسـة" بل هناك سياسة لعينـة يمارسها الطرفان لإيهـام الأنظمــة العربية التابعة وبعض العامة من السُـذج بهذه الشعارات الكرتونية وأن ليس هناك تقارب بين الطرفين بل علاقة عضوية تحكمها المصالح المشتركة والثقافة التوسعية.
قد لا نحتاج إلى الكثير من الشواهد على أزلية وحميمية العلاقة بين ما يُسمي إيرانياً بالشيطان الأكبر وما يُسمى أمريكياً بالزاوية القائمة لمثلث الشر نأخذ مثال واحد للحقيقة, ضلوع إدارة الرئيس رولاند ريجان في صفقة الأسلحة لإيران والتي عُرفت بـ"فضيحة إيران - كونتـرا " وما قانون" داماتـو " بخصوص العقوبات على الشركات الأوربية ورجال الأعمال إلا ورقة للجوكـر استفادة منه إيران أكثر بكثير. قيام إيران بدور كبير لمساعدة الولايات المتحدة في حربها ضد حركة طالبان عبر ما كان يُسمى بتخالف الشمال الأفغاني الموالي لإيران, وفي قمة الأزمة السياسية الظاهرية بشأن الملف النووي الإيراني وفي ذات العام قامت إيران بشراء مليون طن من القمح الأمريكي يا لهـا من عقوبات, بينما يقوم الطرفان بتصدير الأزمات والموت المُعلب للعرب عبر صناديق الدم - ديموقراطية " وتمسك الأعراب بالكرسي ومتابعة أحداث نوبل و تخصيب بول البعيـر واختراع قوالب الكبسـة ومن الجدير بالأسف هنا أن ما يُسمى بالتقارب الجديد القديم بين قُطبي الشيطـان الأكبر وثالث ثلاثة محور الشر خلق هلع سياسياً وسلطوياً غير مبرر لدى ما يُسمي باللاعب الأساسي الكبير والمتحكم في توجيه القرار العربي في هذه المرحلة الحُبلـى بالأخطـاء من ملوك وأمراء بلاد الحرمين، حيث شهدت الفترة الأخير إسراف مهجن من التصريحات لبعض الأمراء كردة فعل غير مُضادة للاتجاه ولا مساوية للُعبة من تلك التصريحات أن " إيران هي العدو الرئيسي وليست إسرائيل " حد قول الأمير طلال؛ فهل يا ترى يعلم الأمير أن الأثنين معاً أصدقاء الروح بالسياسة ولا مجال لكلاً منهما معاداة الأخر ؟ أم أنه اكتشاف جديد للأمير وبذا يحق له الترشح لنيل جائزة السيد روحــاني؟ ما يمكن تأكيده هنا أن العلاقات الإيرانية وطيدة منذُ القِدم وما سينتج عن لقاء مؤتمر جنيف هو مرحلة أولى في اتفاق شامل بين الإدارتين يتجاوز الملف النووي بحيث تكون واشنطـن على استعداد لمنح طهران دور ومكانة خاصة في المنطقة العربية الملتهبة حتى على حساب العلاقات المزركشة مع شريكاتها القديمات كمملكة آل سعود وأخواتها النفطية في الخليج.. إذاً جوهر الحقيقة هو أن إيران قدمت للشيطان الأكبر المشروع الطائفي كبديل ناجح لما سواه من المشاريع الصهوامريكية التي فشلت في ترويجها لتفكيك الأقطار العربية اجتماعياً ومذهبياً وجغرافيا كظاهرة رافقت حدث الربيع العربي الفيدرالي وعليه من حق إيران أن " تتبــرك " بالشيطان الأكبر ويتمسح هو غفران بهـا لطالما ونحن مازلنـا نقـرأ الأحداث ونفسر المواقف بما يرضي ويُشبع شهية السلطان...
ثمة هنا بعض الأسئلة البريئة أليس من حق إيران كدولة تسعى لاسترجاع ماضيها الحضاري أن تمتلك حتى الشيطان في ظل الانبطاح له من قبل الأنظمة العربية التقليدية ؟ ألم تعد الأموال الإيرانية المجمدة أمريكياً أو الأغلب منها ؟ ما نوع التباعد بين إيــران ودول العالم الأوربي ؟ وما دور هذا العالم ورأسه الشيطاني من الاحتلال الإيراني للجُزر الإماراتية ؟ يا إلهــي سـؤال أخير ماذا قدمت " الجمهورية الإسلامية الإيرانية للقضية الفلسطينية ؟ ألم تنتقم مهنا في العـراق وتنتصـر للكيـان الصهيوأمريكي ؟ عُـذراً لستُ متلبساً بشيطان أجنبي ولا أُحبـذ شيطنة الأخرين ولكنهـا الحقيقة ,, فهل نحن مهتـدون؟!.
*شيفيلد - المملكة المتحدة
علي السورقي – شيفيلد المملكة المتحدة
طهران وسياسة التبرك بالشيطان الأكبر 2113