إنه بفضل التعليم الأحادي والرأي الأحادي والتعصب الجاهلي المغلف بالدين واستخدام حكام الاستبداد الرأي الواحد ابتداء من حكم التوريث ومروراً بعصور التخلف وتحول إلى وسيلة للصراع الداخلي والإنهاك وفرصة للاقتتال حتى كاد الأمر أن يصل ببعض المختلفين إلى حد التصفية الجسدية وإلى الاستنصار والتقوي بأعداء الدين, كما حصل في الأندلس وغيرها من الأماكن.. لقد وصلت حدة الاختلاف إلى مرحلة أصبح المشرك معها بأمن على نفسه عند بعض الفرق الإسلامية التي ترى أنها على الحق المحض أكثر من المسلم المخالف لها بوجهة النظر والاجتهاد, حيث أصبح لا سبيل معها للخلاص من التصفية الجسدية إلا بإظهار صفة الشرك.
إن أزمتنا أزمة فكر، ومشكلتنا في عدم صدق الانتماء والأمة المسلمة عندما سلم لها أفكارها وكانت المشروعية العليا الأساسية في حياتها للكتاب وسنة رسول الله فاستطاعت أن تحمل رسالة وتقيم حضارة على الرغم من شظف العيش وقسوة الظروف المادية, فكان مع العسر يسر, ذلك الحيدة عن الكتاب والسنة موقع في التنازع والفشل.. لقد أوقف الإسلام التشرذم والتآكل الداخلي ووجه العرب وجهة الإله الواحد الحق، وألغى الآلهة المزيفة.
لأن الاختلاف الذي وقع في سلف هذه الأمة ولا يزال واقعاً جزء من هذه الظاهرة الطبيعية, فإن لم يتجاوز الاختلاف حدوده, بل التزمت آدابه كان ظاهرة تدافع إيجابية لها كثيرة من الفوائد ومن تلك الفوائد وغيرها يمكن أن تتحقق إذا بقي الاختلاف ضمن اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد, ولكنه إذا جاوز حدوده ولم تراع آدابه فتحول إلى جدال وشقاق وصراع, هنا يكون ظاهرة سلبية سيئة العواقب تحدث شرخاً في الأمة وفيها ما يكفيها فيتحول الاختلاف من ظاهرة بناء إلى معاول للهدم, كما هو حاصل اليوم.
إن الاختلاف ظاهرة طبيعية لا يمكن تفاديها أبداً, فهو مظهر من مظاهر الإرادة في الإنسان وعلى الرغم من أن المولى عز وجل أمرنا بالاعتصام بحبل الله والبعد عن الفراق والنزاع, إذ أنها تؤدي إلى الفشل والعجز عن الوصول إلى أي حل, فقد طغى اليوم على اختلافاتنا كل وسائل التكفير والتفسيق والتبديع والتشويه والتسفيه, وتبع ذلك الموالاة والمعاداة لكل من اختلفنا معه وتجاهلنا التماس الأعذار للآخرين سواء لجهلهم أو لاجتهادهم أو لأنها مسائل اجتهادية، وتجاهلنا الرفق في التعامل مع بعضنا البعض وأصبح الكل يتحدث والكل يقدم الحجج والبراهين بفهم مذهبي أو أحادي والحل هو: التوجه إلى العمل المؤسسي الجماعي وفق استراتيجية.. والله الموفق.
محمد سيف عبدالله
اختلاف التنوع مبدأ إسلامي وظاهرة صحية 1474