علينا إدراك أن هناك من يستغل المظلومية الكبرى التي تتعرض لها دماج اليوم وذلك بمحاولته اغتيال قيادات حوثية؛ من أجل أن يقول أطرف السامعين منا :" هذه ردة فعل طبيعية من قبل السلفيين وحلفائهم على ما يقوم به الحوثيون في دماج", خاصة بعد تهديد تنظيم القاعدة للحوثي؛ وما دفع هذا الطرف لإمكانية القيام بذلك هو إيمانه التام أن الأنظار لن تتجه صوبه - مطلقاً - بل ستتوجه إلى أعداء الحوثي من السلفيين أو الإصلاحيين أو تنظيم القاعدة مع استبعاد قيام الأولين بذلك؛ فليس من مصلحة الإصلاح أبدًا أن يشعل فتيل المرحلة ضده لأنه أكبر المستفيدين من مرور هذه المرحلة بتوافق واستقرار ومن الفحش الغبائي أن يأتي أحدهم ليوجه الاتهام ضد الإصلاح بل وكذلك السلفيين الذين يسعون لتوطين تعاطف الآخرين معهم لنصرتهم في دماج ثم يأتون بسذاجة المفكر ليقللوا من هذا التعاطف لصالح الحوثيين، لذلك يبقى الحوثي وسيظل على رأس قائمة الاتهام التي توجه ناحية من يسعى إلى زعزعة الأوضاع الأمنية وافتعال الاختلالات عن طريق الاغتيالات التي يقوم بتنفيذها على قيادات حركته وممثليه والتي يعمل على إنجاح بعضها وإظهار الأخرى على أنها أُجهضت وفشلت؛ من أجل أن يربك الحسابات والقناعات التي ترسخت عليه في العقول والقلوب لكي يقوم بنقل ساحة القتال الرسمية من دماج إلى قلب العاصمة صنعاء وغيرها من المناطق خارج صعدة؛ فيشتت بذلك الجهد المتكاتف ضده في دماج نتيجة الحصار الذي فرضه ضد أطفالها، فهو لا يعتبر المنضوين تحت جماعته من إعلاميين ومقاتلين سوى عبيد يسهل عليه أن يحولهم من ممثلين له سياسيًا إلى كبش فداء وفعل ماضٍ، أدوات للكسب يقتلهم في سبيل الوصول إلى أهدافه السياسية، وهذا ما أظن أنه حدث للأسف مع الدكتور/ "عبدالكريم جدبان" رحمه الله !، هناك خبث سياسي تقوم بتدبيجه وتنفيذه بعض الأطراف السياسية التي لن تستفيد إن استقرت الأوضاع واستتب الحال فمصالحها مع بقاء الأمور مضطربة؛ لذلك تسعى للكيد بأعدائها السياسيين ولو على حساب الدماء والأمن، ولو على حساب إهدار دم حلفائها!.
بسوس العصر الحديث وأطرافٌ مستفيدة:
هناك أطراف تريد أن تصنع قلاقل أمنية واقتصادية ومجتمعية بشتى الأساليب لتزعزع من خلالها اتساقية المرحلة التي تمر بها بلادنا، وتثير بها الخلافات بين أطراف القوى التي تمتلك تأثيرًا فاعلاً على الساحة لعرقلة المخرجات التي ينتظرها معظم أبناء هذا الشعب، كما نلاحظ محاولتها تعدى ذلك إلى تجاوز الحدود المحلية من خلال ما تسعى إليه بعبثيتها في التناول مع قضية الفتاة السعودية "هدى" التي جرفتها - دون أن تشعر - جحافل المرحلين اليمنيين من بلدها إلينا، فحمدت بعض الأطراف الله تعالى أن سخر لها أداةً تستطيع من خلالها خلق أزمة جديدة في علاقة دولة اليمن بمملكة السعودية وصنع قضية سياسية من قضية مجتمعية شاذة وذلك عن طريق محاولتها جمهرة الرأي العام اليمني- الشباب خاصة - وإثارته بحجة التضامن مع "هدى"وتكوين إجماع صحفي يمثله الناشطون والحقوقيون للتضامن معها والتنديد بالحكومة السعودية ورفض تسليم الفتاة إلى دولتها وبذلك تَكوين غضب حكومي وشعبي سعودي يزيد من تفاقم العلاقة السيئة -المتفاقمة أصلاً- بين اليمن والسعودية خاصةً في هذه المرحلة الحساسة التي نحاول فيها إخماد نار الفتن ويريدون إشعالها بأية وسيلة ممكنة.
أين صوتكم ووقفاتكم من رجاء الحكمي؟
لم نلاحظ أن انتفض الناشطون وشباب اليسار للتعاطف مع قضية الفتاة الشريفة "رجاء الحكمي" التي دافعت عن شرفها بقتل من حاول اغتصاب شرفها مضطرة، وهي الآن تقبع في سجن محافظة إب رغم ثبوت براءتها، شبابنا يصرخون " أنا نازل يا هدى" بينما وعدوا رجاء الحكمي التي تمثل نموذجاً للشرف والعفاف بنسيان قضيتها, بل طمسها من ذاكرة المتذكرين لها.
والعود دماج يا شباب الحرية وناشطوها:
صدقت الأستاذة "رشيدة القيلي" عندما تساءلت عن سبب صمت الناشطات واللاتي يرأسن منظمات حقوقية قائلة:" يعلم الله ما هي حبوب منع الضمير الحي التي تناولنها ناشطات صدّعن رؤوس الشعب بمزاعمهن عن حماية النساء والأطفال خاصة في النزاعات المسلحة "، فالحرب في دماج تضطرم كما لم تضطرم من قبل، الأطفال والنساء والشيوخ المكسورون يُقتَلُون ويُمَزَقُون على يد زبانية الحوثي ودباباته المسخوط عليها، وناشطونا اليساريون سادُوا آذانهم وتراهم كأن على رؤوسهم الطير إذا وجب الحديث عن هذه القضية الكارثية الكبرى في اليمن وطلبنا استعجال وقف دمويتها بما يستطيعون من أقلامهم التي عودونا على تسليطها عندما تكون القضية تعود عليهم بالنفع "المادي، الانتمائي" فقط, أين أنتم عن دماج؟, لماذا افتقدناكم أيها المحترمون الضميريون, في كل وقفة احتجاجية نزلنا فيها للتضامن مع من يقتل ويعذب ويجوع في دماج من مسلمين إخوان لكم؟!، أم لأن السلفيين ملتحون رجعيون -حسب قولكم - لا يستحقون الحياة؟!.
صحيح تذكرت أن ناشطينا الموقرين منشغلون عن قضايا الدولة الكبرى بقصة "هدى السعودية الهاربة مع حبيبها" وللتبشير فإنهم يعدون لمسيرة قادمة اسمها مسيرة " العشق الممنوع " ووقفة رومانسية وصفوها بوقفة: "عرفة الحب" تضامنًا مع قضية هدى ورفضًا لمحاكمتها أو تسليمها إلى أهلها وهذه المسيرة ستكون حتمًا من إعدادهم وإخراجهم؛ لتصبح بعد ذلك فيلمًا رومانسيًا يريدون لشباب اليمن تطبيق سيناريوهاته، واعدين الشباب الوقوف بجانبهم إن حدث لهم ما يحدث لـ: هدى " النجدية " وعرفات " الحميري " !فهم يصورون لنا أنهم ينتصرون للحب !، والحب بريء منهم، وكلما صُدم الحب بمواقفهم التي تخذله وتئده عندما يكون محتاجًا لهم؛ يعيد - هو- تحديث حالة البراءة تلك، فالحب الذي يقصده كثيرٌ من العلمانيين ويتغنون بنصرته هو الانحلال والتجرد الأخلاقي في مجتمعٍ لا يعترف إلا بلغة الفضيلة ! سينزل العلمانيون تحت شعار "يا حبيبي لن نتوب .. ليس في الحب ذنوب".
استفزتهم استغاثات "هدى" فولدت لديهم نخوة لم نعهدها فيهم من قبل نهضوا متضامنين معها ونزلوا في وقفات احتجاجية وسيظلون ينزلون بشعارات قوية كـ:" يا حبيبي لن نتوب ليس في الحب ذنوب" و "أنا من بلاد الحب فيها يحاكم!" و "يا أنصار الإسلام.. نحن أنصار الحب", بقصد الوقوف إلى جانب هدى؛ لأنهم شعروا برجولتهم عندما صرخت تستنجدهم: "أنا بوجيهكم يا رجال اليمن", فقالوا: لبيك وسعديك يا هدى!.
لكن السؤال الأهم: من في دماج يقصفون ويعذبون ويموتون جوعاً وألماً لعدم توفر الغذاء والدواء!, هؤلاء بوجه من يا ناشطون, يا حقوقيون؟!.
إنما التضامن بالنيات:
عندما يتضامن بعض العقلاء مع "هدى" - رغم ضعف حجتها وعدم إقناع منطقها وهي تتحدث في مقطع الفيديو فإنما هذا التضامن منهم لموقف حسن ينبع من حسٍ إنسانيٍ فيهم ولشعورهم بواجبهم تجاه مسلمة استجارت بهم- بعيداً عن خطئها الذي لا نستطيع أن نبرره لها- حيث أن تخوفنا من المصير المخيف الذي قد يواجهها به أهلها إن أعدناها إليهم وقد استجارت بنا هو من جعل موقف البعض متردد في تأييده تسليم سلطاتنا الفتاةَ لدولتها مع إنكارنا وعدم موافقتنا مطلقًا لمحاكمتها في أرضنا لأنها لم ترتكب جرماً يستحق المحاكمة، وأما مشكلة الهروب فتُحل بإرجاعها إلى أهلها وينتهي الأمر!.. لكن من يتضامن مع قصة "عرفات وهدى" من منظور الانتصار للحب المظلوم وتأصيل مثل هذه أفكار وتوجهات تفتك بأخلاقيات ومبادئ المجتمع الأصيلة؛ يجب عليه أن يعلم قبل أن يتمنطق أنه حين يتعدى الحب أبجدياته الجميلة وأخلاقيات المجتمع الفاضلة وحدود الأعراف المحافظة ليزرع بذور التحاكم إلى العاطفة والهوى الضالين؛ فيؤثر سلباً على صورة المستقبل القادم, فهو عندئذ لا يسمى حبا, بل قبحاً.
عبدالرحمن جابر
وقفات شائكة على قطوف المرحلة! 1077