نصيحة مقاتل بن سليمان للخليفة المنصور:
دخل "مقاتل بن سليمان" رحمه الله، على "المنصور" رحمه الله، يوم بُويعَ بالخلافة، فقال له "المنصور" عِظني يا "مقاتل"! فقال : أعظُك بما رأيت أم بما سمعت؟ قال : بما رأيت. قال : يا أمير المؤمنين ! إن عمر بن عبد العزيز أنجب أحد عشر ولداً وترك ثمانية عشر ديناراً، كُفّنَ بخمسة دنانير، واشتُريَ له قبر بأربعة دنانير وَوزّع الباقي على أبناءه.
وهشام بن عبد الملك أنجب أحد عشر ولداً، وكان نصيب كلّ ولد من التركة مليون دينار.
والله... يا أمير المؤمنين : لقد رأيت في يوم واحد أحد أبناء عمر بن عبد العزيز يتصدق بمائة فرس للجهاد في سبيل الله، وأحد أبناء هشام يتسول في الأسواق. يقول ابن الجوزي رحمه الله تعالى: " الدُّنيا غَرَّارَةٌ غَدَّارَةٌ، خَدَّاعةٌ مكَّارةٌ، تُظَنُّ مُقِيْمةً وهي سَيَّارة، ومُصَالِحَةً وقد شَنَّتْ على الإنسان الغَارَة .
مصيبة الناس اليوم- مسئولون ونخب وكثير من الناس يلهثون وراء المال والأثراء بعقل وبدون عقل- لا يهتم الواحد منهم إن كان مصدر هذا المال حلال أم حرام، بل أن الكثير يدرك أن مصدر ماله وثرائه مصدر فاسد لا يرضي الله، كونه أما من المال العام الذي هو اشد حرمة من المال الخاص، وأما نتيجة بطش وظلم للآخرين، أو نتيجة احتيال ونصب، دون خوف من الله أو وازع من ضمير، ظناً منه أن جمع المال سيؤمن مستقبله، وسيحفظ أولاده بعد موته من الحاجة والعوز، غافلاً و مغمضاَ عينيه عن كل المواعظ والعبر التي تؤكد النهاية المأساوية للظلم وللمال الحرام في الدنيا قبل الآخرة وخير مثل على ذلك هذه العبرة التي حدثت مع أولاد الخليفة الزاهد عمر بن عبد العز الذي لم يورث لأولاده أي مال أو ثروة ولكنه ورث لهم تقوى وخوف من الله، ومع ما حدث لأولاد الخليفة هشام بن عبد الملك الذي ترك لهم ثروة لا طائل لها، أما في الآخرة فالنهاية اشد وأنكى وكما ورد في الأثر" ما نمى من حرام فالنار أولى به".
فليت مسئولينا الذين اثروا على حساب الشعب ومقدراته والأمة تعاني العوز والفاقة والجوع والمرض، وهم يتنعمون بهذه الثروات دون خوف من الله أو إحساس أو وخز ضمير، ليتهم يعتبرون قبل فوات الأوان؛ فالله سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل, فإذا اخذ الظالم فإن أخذه أليم شديد.. وخير ضمان لمستقبل أولادهم من بعدهم ليس الثروة الحرام ولكن الضمان كل الضمان في قول الله سبحانه وتعالى: ( وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا).
وهذا لا يبرئ كل السلطات من رئاسة الدولة إلى اصغر مسئول من أن يكونوا قدوة في انفسهم وعصا غليظة على كل فاسد لا تنفع معه المواعظ والعظات وذلك بإعمال القانون على الجميع دون تمييز وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب، فرغم التضحيات الجسام التي قدمها أحرار وحرائر الوطن سابقا ولاحقا فإن المواطن لم يلمس أي تغيير حتى الآن نحو تجفيف الفساد وعقاب الفاسدين، بل أن الفساد مازال محمياً كما كان، وكأنك يا بو زيد ما غزيت، ولن يطول الصبر على هذا الوضع طويلا، فاتقوا غضب الشعب أيها المسئولون وأيها الأحزاب المتحاصصون مهما بدا لكم انه قد خمل أو ضعف فلا يأمن غضب الشعب إلا الخاسرون، لان إرادتهم من إرادة الله الذي اذا قال للشيء كن فيكون.
عضو مجلس النواب/ عضو مؤتمر الحوار الوطني الشامل.
محمد الحميري
أيها اللاهثون نحو الفساد والإفساد "هل من معتبر؟!" 2018