في ذكرى الاستقلال نسمع تقرير "بن عمر" الأممي يصرح بعبارة واضحة بأن الجنوب تعرض لنهب ممنهج!.. ولسان حال واقع البلاد يقول بأن ثمة عبثاً ممنهجاً يدور في شطري الوطن!.. وقبل تصريح بن عمر بيومين ينسحب مكون الحراك الجنوبي من الحوار, معلناً بأن سبب انسحابه سوء التعامل الذي يتعرض له في إطار الحوار, ويعلن تفويضه الشارع بقول كلمة الفصل في القضية الجنوبية!.. وقد سمعنا جميعنا بأن أساس الخلاف في الحوار بين ممثلي قضية الجنوب والطرف المقابل له, هو رفض الثاني التعامل مع القضية الجنوبية على أنها قضية سياسية لا حقوقية!.. وبعد كل هذا نسمع الملامة والمذمة تصب على مكون الحراك من شتى الجهات بعد اتخاذه قراره الغاضب, وكأنه ليس طرفاً له ثقله على كفتي الحوار!.
في كل ذكرى للاستقلال سابقة, كنا نشعر بالزهو والفخار بذكرى ملاحم النضال الطويل الذي خاضه شعبنا في الجنوب لطرد المستعمر البريطاني.. كنا نرى وهج السرور على جباه الآباء الذين عاصروا هذه المرحلة وسقوا بدمائهم الزكية ثرى أرض الجنوب لتنبت زهور النصر فتصوغ به إكليلاً يتلألأ تاريخاً مجيداً لهذا الشعب الأبي!.. إكليل نصر مازلنا نشتم عبقه ليهيج روح الفداء في صدور ملأتها الأيام المتعاقبة بثقل الانكسار المرير الممنهج, بعد النصر الأخير يوم 30نوفمبر!.
اليوم في ذكرى الاستقلال نزفر حسرة على كل ما بذله الأجداد في سبيل نيل الحرية للجنوب بعدما غدا" نهيبة" مباحة لكل عاقٍ مارق, ومعتدٍ سارق!.. ولو أن ما يلقاه أبناء الجنوب من ذلة وقهر, وهم يرون مقدرات بلدهم تنهب أمام ناظريهم, هو من بعض جسدنا, لهان الأمر!.. ولو أن من يشاد في قضية الجنوب, رافضاً التراضي وقبول حجج المنطق, وعاتياً استكباراً في الأرض ورفضاً لرد الحق لأهله, ومنصباً نفسه وصياً على أبناء الجنوب الأحرار, هو من أنفسنا, لهان الأمر!.. ولكن سوط الوصاية الظالم هو من يتحكم في الموقف, فيماطل, ويسوف, ويتلاعب بالمسميات, ويمارس أساليب قذرة لتطويل معاناة أبناء اليمن بشطريه, ليتم سحقه ببطء, وبقلب ميت دونما شفقة ولا رحمة!.
لا أحد ينكر بأن قضية الجنوب هي المفصل الأساسي لكل القضايا الكبرى الشائكة, والمخبأ جلها تحت الطاولة, بل هي العقدة التي إن حلت فستحل بحلها كل قضايانا المعلقة في شطري الوطن, وسيحدث الوفاق الذي نرجوه, وتتكسر قرون الشيطان, وتسد منافذ عظيمة للفساد, وستفتح أبواب خير كثيرة تنقذ الوطن, والمواطن من معاناة الفقر والتبعية.
ورغم استشهادي بهذا الاعتراف الخطير من المبعوث الأممي, لأنه كلمة حق, غير أني قد أخذني العجب من قوله بأن الفترة الرئاسية للرئيس "هادي" ليست مقيدة بسقف زمني, بل بإنجاز المهام المنصوص عليها في المبادرة الخليجية, وتقريره بأن الفترة ستبقى مفتوحة لما لا نهاية!.. وهذا ما لا نرضاه أبداً في ظل الخروقات اللانهائية لسيادة اليمن وأمنه واستقراره في ظل هذه الفترة الأسوأ على الإطلاق في تاريخه الحديث!.
ومن المفارقات الغريبة في كلامه اعترافه بالفوضى العارمة التي تحدثها قوى رجعية, والتي ظل طوال مدة انبعاثه لليمن يتستر عليها رغم معرفته التامة بها!.. ومن كبرى مهازل هذا الفترة السوداء, ومن أقبح نتاج الحوار الهزلي الخطيرة ارتفاع الأصوات بمشاريع مقيتة لتقسيم اليمن!.. تفسر حيناً بأنها هروب من منح الجنوب حقه في تقرير المصير, وحيناً تفسر بأنها تقسيم جديد للكعكة بين الفرقاء وأسيادهم, وثمة تفسيرات شتى لهذه النغمة الشاذة التي أضحت بفعل تكررها مقبولة لدى البعض!.. فلمصلحة من نقسم الوطن ونشرذمه؟, وعلى أي معيار سيتم هذا التقسيم؟.
إن ما يحدث لهذا الوطن الغالي بكلا شطريه جرم لا يغتفر, والسكوت عنه عار سيلتصق بأبناء هذه الحقبة من اليمانيين للأبد!.. وعلى كل وطني حر مخلص لهذه البلد واجب الرفض لكل هذه المشاريع الارتهانية, والخطط الممنهجة لتفتيت اليمن وإزهاق النفس الأخير فيها بالتمديد للفترة الانتقالية السوداء, وبالتقسيم المقيت, والذي يعتبر خيانة عظمى لليمن الكبير بشطريه!.
بالله عليكم أيهما الأفضل: بقاء اليمن جسدين قويين, متعاضدين, متجاورين؛ أم تمزيق كيانه الكبير لأشلاء مبعثرة؟!.. ثم هذا الإنسان اليمني الحر, الذي نفر لثورة التغيير في زمن المستحيل, والذي ثار أجداده وآباؤه على طغيان الإمامة, وطردوا بريطانيا العظمى بنضالهم الفذ؛ هل يستسلم, ويقبل بإطالة معاناتنا بالتمديد لهذه الفترة الانتقالية السوداء المدمرة؟, وهل يخنع للقرار التآمري بتمزيق جسد وطنه الحبيب اليمن؟!.
نبيلة الوليدي
لا للهروب نحو التقسيم.. وألف لا للتمديد!! 1347