في مجلدات الأزمان وفي الحكايات القديمة درسنا أن اليمني كان ذات عزة وكرامة وهامات لا يشق لها غبار, لا تُذل يوماً ولا تُهان.. شاخ الوقت ومر الزمان وتعاقبت على الأيام أحزان وأحزان ووصلنا لواقع صار فيه اليمني لا مكان له إلا في قواميس الذل والهوان.. فهل كان المغترب اليمني خلال سنوات كده وعذاباته وبُعده عن الأهل والأرض والوطن يحسب حساباً للحظة تترجم حالنا اليوم والذي يقول ما أشدنا على بعضا البعض وما أذلنا لغيرنا, ما أقسانا على بعضا البعض وما أرخصنا لغيرنا؟.. هل كان يعلم أنه سيكون مُسْتَرْخَصَا لدرجة الهوان عند صناع القرار في بلده وعند سارقي الأحلام وناتفي ريش الأمنيات؟, هل كان يحسب حساباً لأدمعه الحارقة وهي تشق طريقها عبر مقل روح تأكلها الحرقة حين يدرك أن سنوات غربته غدت سراباً ولم يعد له في وطنه موضع قدم واحدة, والكل ينثره نثر يوم عاصف؟.. بينما هو واقف عاري الروح يتساءل: هل أنا يمني أم أني مولود سفاح؟, هل ما زال لي حق في أرضي وأرض أجدادي أم أنني سراب و نثر رياح؟..
فيا لبؤس اليمني, فأينما حل وارتحل يلحقه سوء الطالع والأنياب الناهشة أينما ولى ويمم نبضه المتهالك وأمانيه المقتولة تحت أقدام المرتزقة ومتعطشي نبش الأشلاء وآكلي الجيف.. ويا لبؤسه.. لم يكن ذنبه ولم يكن مذنباً أبداً انه ذات يأس فر من واقع ضاق به ذرعاً واغترب وشقي وتعذب راجياً لنفسه أملاً خافتاً وعيشة أفضل من الفقر والحاجة والحرمان, فترك في بلده روحا وأهلا وأحبة وولد.. إنما ذنبه الوحيد ظنه أنه حينما يعود سيفتح له الوطن أذرع الحب والفخر, وللأسف كان ظنه هذا آثماً..
فيا لبؤسه, لم يجد الكرامة لا قبل اغترابه في بلده ولا في بلد الغربة ولا بعد عودته مجبوراً ورغماً عنه.. فيا لبؤسه حين تغدو كل سنينه عجافاً وكل حياته عزفاً على جرح نازف وكل طموحاته سراباً.. وحينما تصبح كرامته مجرد ورقة سياسية متهتكة عند ساسة لا يقيمون إلا للظلم والكراهية والأحقاد مكاناً علياً وإهدار إنسانيته مستباح من الجميع..
فعار عليكم يا أصحاب القرار ويا حكومة الأوراق المتساقطة تبرؤكم من المغترب اليمني ولما يحدث له من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسانية وترحيله بصور بشعة تتنافى مع كل شرائع الدين والدنيا وأنتم راضون خانعون.. وعار عليكم أن تظلوا هكذا دونما تحريك لوطنيتكم ولبلد يسمى اليمن والذي تهدر كرامته حاضراً وينسف ماضيه ويلوث مستقبله بهذه الطريقة المشينة.. عار عليكم أن تكون الجنسية اليمنية هي الوحيدة دون جنسيات العالم من تُذل وتُمسح بكرامتها سابع أرض دون وجود لمن ينتصر لهذه الكرامات الُمهدرة تحت أذيال العقالات.. عار عليكم.. لماذا صرنا هكذا مرتهنين للخنوع والهوان وطأطأة الكرامات ودس وطنيتا تحت تراب المذلة والخنوع والتبعية المقيتة؟, لماذا صارت بلدنا مُستذَلة لكل الأوباش؟, لماذا صرنا بلداً تتلاعب بها أوراق السياسة الإبليسية..
فيا أيها المغترب العائد لوطن حزين نقول لك: بالرغم من أصحاب القرارات المعاقة ومن يعتبرونكم مجهولي الهوية, نقول لكم كشعب ذاق مرارة الكرامات المهدورة حتى ونحن في بلادنا, أنت يمني أصيل فارفع رأسك رغماً عن كل شيء وكرامتك عندنا مصانة وهذه أرضك حتى وإن أنكرها عليك معاقو الولاء والرؤوس الذليلة ونحن ناسك وأهلك.. مرحباً بك.. وارفع رأسك أنت يمني, لأننا ما زلنا وسنظل, نعشق هذا الثرى الطاهر حتى الرمق الأخير رغماً عن كل شيء ورغماً عن كل الحاقدين.
سمية الفقيه
يا صناع القرار.. أهو يمني؟ 1367