رعى الله الرفاقية زمان يوم كانت نضالاً وعملاً وانتماء إلى البسطاء واشتغالاً بقضايا وطن وانصهاراً جميلاً في الحياة ورفض الرجعية والاستبداد.. ويوم كان الرفيق الواحد يعادل (حزب) مقارنة ببعض الرفاق في يومنا هذا بصلابته وإرادته وقوته في تحدي الخوف والسجون والتشريد والتعذيب وكل ألوان القهر، لأنه كان يمتلك قضية وطن وتطلع إلى الأمام ولديه استعداد أن يدفع حياته ثمن قيم ومبادئ آمن بها في زمن التحدي الحقيقي، يوم كان الرفيق مداناً في تواجده وملاحقاً من المدرسة وحتى تخرجه, حيث يجد نفسه ملزماً بالدخول إلى بيت خاله (السجن) بسبب أو بدون سبب ولمجرد تهمة ومع ذلك كان دخوله شهادة فخر واعتزاز وإصرار على أن يبقى في مستوى ما آمن به.
هكذا كانت الرفاقية التي عرفناها تصلب عود منتسبيها, تثقفهم, تجعل منهم قدرات واعية, تقاوم كل مظاهر الاستلاب وتعنيها القضية الوطنية في الوحدة والتقدم والبناء والإيمان بحقوق العمال والشغيلة وحقهم في أن يكونوا أحراراً من قوى الاستغلال والانتهازية.. وكانت كل قضايا الرفاق من العيار الثقيل وفي شتى مناحي الحياة اشتغلوا على ذلك؛ مثقفين وأطباء وعمالاً ومدرسين واقتصاديين ...الخ, وكان التكاتف والثقة بينهم هي السائد ة على ما عداها، لأن قضايا الوطن أكبر من أن ينال منها مغرض أو حاسد، واستطاع الرفاق ـ بوعيهم الأيديولوجي ـ أن يكافحوا الرجعية والاستعمار وخفتت أصوات النشاز الطائفية والمناطقية والعصبية بل كادت أن تنتهي من الخارطة اليمنية لأن ثمة قوى نضالية كاشفت ووقفت ومانعت ثقافة التدجين والإلغاء واستلاب البشر أحلامهم.
هكذا كانت الرفاقية، عكس ماهي اليوم وقد أخذت قوى منها تذهب إلى حيث الغوغاء وتستلهم من القوى الحاقدة والرجعية والانفصالية نضالها المزيف وتقف على عتبات قضايا سطحية تافهة وتتنازل عن وطن ومستقبل وبسطاء وحياة وترتهن إلى الكيد والتشفي على شخوص دون آخرين وتريد أن تقدم نفسها مناضلة وهي لا تعير الوطن معنى وتستبدل النضال بالوقوف على أشخاص تهاجمهم وتنال منهم بدون وجه حق لتسند وتدعم قوى مأفونة وتخرج النضال من أن يكون وطنياً إلى شخصنة مؤلمة, بما يلحق أذى بتاريخ الرفاق وعاراً على حركة النضال الوطني، ويضعهم كتاريخ في مستوى لا يحسدون عليه بعد أن كانوا الخلّص للوطن وأصحاب مواقف لا يستهان بها ويظل الوطن مديناً لهم تاريخيا.
وهو أمر يؤسف له اليوم أن نجد رفيقات ورفاقاً لاهم لهم سوى (س) أو (ص) من الناس, يتناولونهم بسخرية وادعاء بطولة، وأحسب أن هؤلاء الذين يرهقون الرفاقية ويضعونها في وقاحة ليست لها إنما هم يتعمدون جر القوى الحية إلى مواقف سمجة وإلى دفعهم من مواقف تقدمية إلى أحضان الرجعية والاستبداد باسم الهجوم على تلك الشخصية وذلك الشخص، ظناً منهم بعنترياتهم أنهم قد أنجزوا ما عجز عنهم الأوائل وبينهم والنضال أبحر وجبال، ولا مقارنة بين رفاق الأمس ورفاق اليوم الذين يسيحون في الأرض ويبحثون عن الوهمي ويتغافلون عن تاريخ صنعه رفاق مخلصون سبقوهم..
ومالم تقف بعض الرفيقات والرفاق عن تسخير النضال في اتجاه بائس وعدمي وبحث عن قضايا غبية واشتغال على مناصرة رجعي مأزوم ومستبد مريض، فإنهم حينئذ يكونون قد وضعوا الرفاقية في بلاستيك أسود للمهملات ونأسف أن نقول هذا الكلام، ولكنه ألم من يقارن بين الأمس واليوم, حيث رفاق النحس اليوم وأتحدث عن البعض يتصدرون المواقف العدمية ويشتغلون على الشخصنة ويآزرون الألم ويتنادمون بينهم ـ في تهكم وسخرية ـ على الآخرين بطريقة لا تليق بقيم الرفاق.. ومن يتابع ما ينشر في (الفيس بوك) من قبلهم على سبيل المثال بكركرة وضحك وتدجيل وتنكيت سخيف يشعر بخواء حقيقي أن جيل اليوم لا يملك من الرفاقية حتى اسمها، وأنه مقحم تماماً إن لم يكن البعض يلعبها بطريقة ارتهان لمن يقف على غوغائيتهم وشراهة تناولاتهم لشخوص ليست هي القضية الوطنية، ولكن لأن هناك من يحاول أن يحرّف قضايا النضال الوطني عن مجراها الحقيقي ويتلاعب بتاريخ ويهزم وطناً ليجد من يسخر معه وينادمه بغباء ويتلاعب بالمواقف.
وأعتقد أن ترك الحبل على الغارب لهؤلاء الرفاق الشرذمة يضر بالقوى الحية ويخون قضية البسطاء والعمال والشغيلة ومكونات المجتمع المتطلع إلى الأمام.. إن هؤلاء الدخلاء على الرفاقية بنضال وهمي وبحث عن عدوات مع أشخاص محددين ليس بطولة إن لم يكن خيانة حقيقية لما يجب أن يكون عليه النضال المبدئي فلم نسمع في تاريخ الرفاق الأوائل أن كان همهم في نضالهم شخصاً, ولم نجدهم شخصنوا قضية واحدة لأنهم كانوا مع وطن, مع تحرر, مع العدالة والمساواة وليس مع ( س) ضد (ص) ليبقوا هزيلين كما خطابهم البائس الذي نرجو من القوى الحية أن تنتبه له وأن تستعيد زمام المبادرة بدلاً من حالات التندر والسماجة وغباء الخطاب الذي يسود في (الفيس بوك) وكل يجابر الآخر أحييك (يارفيقة) واتفق معك (يارفيق) وحين تفتش عن التحية والاتفاق لا تجد غير نكت على أشخاص ومناصرة رجعي.. وذلك لعمري مالا نرجوه لمن كانوا وطناً وحلم جماهير وثقة بالغد.
محمد علي اللوزي
بين رفاق الأمس وبعض رفاق اليوم 1410