هناك من يتساءل: اليمن "تعيس" فما السبب؟.. وعليه فإنني استأذن صاحب السؤال بأن أستبدل مفردة "تعيس" بمفردة "مُبتلى" لأصيغ العبارة على النحو الآتي "اليمن مبتلى فما السبب؟".. وإذا صحت أبعاد الاستبدال التي سوف أطرحها فسوف يتضح أن اليمن ينخلع عليها أعلى سقف مدحاً لا ذماً؛ أي بما يتضاد مع مفردة "تعيس" وأضعف الإيمان في ذلك هو استبدال الشين بالسين لتكون العبارة "اليمن يعيش"!.
لا أختلف مع السائل أن اليمن تعيس "مادياً" بيد أنه - بتصوري- مبتلى معنوياً؛ والسبب جلي غير خفي وهو أن اليمن اختار وسام الحكمة ولم يتردد أو يحتار! وأنا هنا أتحدث عن اليمن قسم الوطنيين (لا مدعي الوطنيةَ أو تجارها بالوكالة للخارج)..
فكلنا يعلم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد جعل اليمن معانقاً للإيمان والحكمة معانقة ثابتة وممتزجة حيث قال -صلى الله عليه وسلم:" الإيمان يمان والحكمة يمانية", وفي رواية بالتأكيد "إن الإيمان يمان وإن الحكمة يمانية".. وصيغة الحديث بالجملة الاسمية تثبت ذلك لليمنيين حتى تقوم الساعة.. ومعانقة الإيمان والحكمة تحتاج فاتورة تساوي هذه السلعة النفيسة؛ وهو الابتلاء المتنوع (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون).
ومن هنا فإن الإنسانية تنقسم تجاه "فلسفة الحياة" قسمان: قسم يفلسفها بارتفاع منسوب الدم وآخر بارتفاع منسوب القيم؛ فالأول يقصر فلسفة الحياة على متعة الدنيا وهذ الفلسفة تجعله يقرأ اليمن على أنها في الدرجات السفلى من التعاسة؛ لأنه يقرأ في الحياة "شقها المادي البحت" كحصول الخوف بسبب الاضطراب الأمني، والفقر الذي يولد الجوع والتدهور الاقتصادي وتعاسة المعيشة في كل نواحيها ويتبع ذلك تدهور الصحة وحضور المرض وتردي المسكن والملبس والبنية التحتية من طرقات وجسور وأنفاق.. الخ.
طيب هذا حال اليمن الآن!, فكيف إذاً حال سورية, ألا يحق لنا من خلال هذه فلسفة للحياة أن نتهم ثوار سوريا بالجنون وقد تسببوا في دك بنيتها التحتية, بل في إهلاك الحرث والنسل!, فلو يقارن وضعنا بما حدث ويحدث في سورية لحمدنا الله.
الشاهد أن هناك رأياً آخر يرى من زاوية مختلفة تماماً, من زاوية "حياة المعنى" الحياة التي أعلى سقف لها "الحرية" فالله تعالى قد قال (يؤتي الحكمة من يشاء) واليمن نشدت الحكمة (ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيرا) والرسول شهد لليمنيين بالحصول على هذا" الخير الكثير" عندما شهد لليمن بالإيمان والحكمة إنساناً وبالطيبة أرضاً (بلدة طيبة ورب غفور).
إذاً إنه وسام إلهي نبوي استحقه أو أمتنحه اليمن واليمنيون وامتحنوا به أيضاً فأثبتوا نجاحهم.. وهذا النجاح لا شك يحتاج إلى دفع فواتير ثمينة.. خاصة وأن الله قد جعل الخير في الجمع المعنوي القيمي؛ فهناك آية تفسر وتفضل الجمع القيمي المعنوي للخير الجمع الذي يكتنز فيه الإنسان القيم لا الدم.. أي المعنوي وليس المادي وذلك في قوله تعالى (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير منا يجمعون).. هناك من يفضل هذا الجمع وهذه الخيرة؛ الجمع للقيم فيرى اليمن على الأقل "يعيش" وليس بتعيس, فما بالك بالذي يقرأه "فوق العيش" فيراه أنه الحي الأصيل؛ لأنه يمن القيم الذي يقدم لأجل الحكمة والقيم أفضل ما لديه وهي "حياة الدم" .. أنا أنظر بل أبصر لليمن بلدي من هذه الزاوية وأرى أن ما يحدث في سوريا ليس سراباً, بل هو عين الصواب, فالحياة إن لم تكن الحرية فماذا تكون إذاً؟!..
لهذا قُرن اليمن بالابتلاء وهذ لا يعني أننا سنظل كذلك حتى تقوم الساعة لكن إذا ظلينا نغض الطرف عن وكلاء الخارج (تجار الوطنية).. لنبادلهم التحية مساء صباح ونمد لهم يد الحوار تحت سقف "سياسة التوافق" ونرمي وراء ظهورنا "سنة التدافع" سوف يستمر الحال, مع أنني مع الحوار وفي صفه, لكن مع أحرار الوعي والفكر فعيب أن أظل أحاور وكلاء لا يملكون قراراً ولا حياة ولا نشورا.. أرى أن المشترك قد يظل طويلا حبيس فكرة أو سنة أو سياسة التوافق وهذه لا شك تجمع بين الباني والهدام, فبالله عليكم دلوني كيف سيقوم البناء على أصوله؟!.
إن التمسك بالمبادئ فاتورته مكلفة لهذا سيضل اليمن مبتلىً من ناحية ومعاقبا من ناحية ثانية حتى يدرك أخطاءه ويتجاوز عواطفه.. لست مؤمناً بمد يد الحوار لمن لا يملك قراره فإذا أردت أن تتحاور فغض الطرف عن العبيد وتفاوض مع أسيادهم مباشرة لتعرف حقيقة الذي يريدونه أما أن تتفاوض مع مسكنات وللأوقات مهدرات فغير منطقي وغير معقول.. أنا أعرف ما الذي يريده سادة العبيد من خلال الدستور القرآني إرادة لم تترك مساحة لسنة الحوار الإلهية ولم تترك ولن تترك مساحة للصناديق السلمية الانتخابية يقول تعالى:( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى), أعتقد أن هذه "حتى السياسة" من قتلت سيبويه وليس حتى النحوية (حتى تتبع ملتهم), فحتى للغاية قد قصرت لنا المشوار وبيان ما يريده الأعداء والتآمر على الديمقراطية والكفر بها في مصر حالياً وحماس سابقاً والجزائر خير دليل أن مدلول النص القرآني هو غاية السادة وما نصنعه مع العبيد في الداخل هو غاية الفوضى وسنة التوافق نوع الموضة، بيد أنها موضة وعي تسيء للمعنى الإنساني وليس لجسده وصدق رسول الله "لتتبعن سنن من قبلكم القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه".. إن اتباع موضة العلمانيين الغربية تحت سقف سياسة التوافق قد تعرينا من لباس التقوى وتجعل الأمة تسير باتجاه المهوى!.
د.حسن شمسان
اتباع موضة الوعي..قد تجردنا من لباس التقوى! 1476