رعى الله عادات وأسلاف قبائلنا اليمنية وشيمها الرائعة، فكم رأينا الإنصاف فيها للمظلوم، ونجدة الملهوف، والأخذ بيد الظالم لتكفه عن ظلمة، وتقصير يد المعتدي عن التمادي في بطشه، كل ذلك عرفناه من خلال ما يسمى بالعرف القبلي "العيب الأسود" والذي على ضوئه تقوم القبيلة عند ارتكاب فوادح الأخطاء التي تمس الإنسان..
وأعرف بالمناسبة أنه محل سخرية وتندر عند البعض، والبعض الآخر يرى فيه مادة دسمة للطعن بأعرافنا وما جمل من أسلافنا وعاداتنا، ولا أريد التحدث في ذلك أو الوقوف عنده.. والله لقد حاولت أن أقف أمام كثير من الأعراف والعادات لبعض المجتمعات العربية فإذا هي ظالمة للمواطن، وهاضمة لحقه، فقط يكفيك أن تعرف في هذا السياق أن المرأة في الأردن إذا قتلها زوجها سقط عنه الحق, الأمر الذي تعارفت عليه عاداتهم وأعرافهم وأسلافهم حتى اليوم، وبالنظر إلى عدد الوفيات من النساء الأردنيات في هذا السياق سيدرك المرء حجم الظلم الذي يتعرض له الإنسان ويقع عليه هناك بسبب هذه الجوانب المظلمة من الأعراف والعادات.. لكن دعوني انتقل إلى ما أريد الحديث عنه ومقارنته بما يحدث في أماكن أخرى من أوطاننا الحبيبة..
في مصر وما أدراكم مصر، انقلاب غاشم يصر اليوم لا أقول على اعتقال النساء فقط أو على محاكمتهن, بل يصل به الصلف والخروج السافر والعاهر عن الأعراف الأخلاقية والأدبية أن يصدر أحكاماً في حق مجموعة من بنات مصر، وليست أي أحكام, بل أحكام قاسية، فلأول مرة في مصر يتم فيها محاكمة بنات في عمر الزهور منهن أعمارهن من لم يتجاوز الخمسة عشر عاما، إحداهن معتقلة مع ابنتها.. والعجيب المخزي أنهن يحاكمن بلا تهمة، فقط لأنهن نظمن مظاهرة مناوئة للانقلاب وقمن باستحداث طريقة إبداعية للاحتجاج تمثلت في صناعة بوالين مطاطية رسمن عليها شعار رابعة العدوية الذي جاب مناطق الدنيا في هذا الكون.. بالله عليكم هذه تهمة تستحق على إثرها أربعة عشر فتاة السجن أحد عشر عاماً؟.. إنه زمانك الأغبر يا مهازل.. من شهد أمس الطريقة التي تم على ضوئها قراءة منطوق الحكم سيدرك كم أنه ما زال في مجتمعاتنا العربية طغمة فاسدة لا دين يردعها، ولا أخلاق تصدها، ولا آداب توقفها عند حدها، ركبت ذلول الشيطان وصعبه، وتشربت ثقافة إراقة الدماء عند الصهاينة، وأدارت ظهرها لتلك الأصوات المنادية بوقف مهزلة ما يسمى بمحاكمة بنات مصر.. لكنهم ومع كل تلك النداءات مضوا في مشروعهم التخريبي لأخلاق وأعراق وسياسة مصر حاضرة العالم وأم الدنيا، و يا للعجب ثعالبها تحكمها اليوم, لقد صدق الشاعر حين قال:
لا تشتر العبد إلا والعصى معه .. إن العبيد لأنجاس مناكيد
إن مبارك الذي نعتوه بالطاغية والفرعون الأكبر لم يفكر في يوم من الأيام مجرد تفكير بما يقوم به الإنقلابيون من أحكام يستحي من لديه ذرة من حياء, لا أقول في إطلاقها, بل في الوقوف كقاض أمام هذه الفئة العمرية من النساء المصريات ربات الطهر والعفاف وحافظات الشرف الرفيع.
أنا كصحفي ما زلت مقتنعاً بأن الانقلاب الذي خطط له السيسي ونفذه بطريقة مفاجئة سيكون اقتلاعه منه أيضاً بطريقة مفاجئة وما عليه إلا الانتظار, ثم ما الذي يقوله عقل السيسي للإنقلابي السيسي, هل سيدوم له وضعه ذلك؟.. نقول له: هيهات, فلو دامت لك لما وصلت إليك, فقط عليك انتظار الدفع باهض الثمن لفاتورة الدماء التي سالت علي يديك أيها الإسراسيسي, يا صاحب العيب الأسود الذي لا يغسله ماء الدنيا، وتباً لك وأنت تنزل إلى مستوى اعتقال حرائر مصر ومحاكمتهن وإيداعهن السجون.. وفي الأخير وأمام هذا الصلف الإسراسيسي لا أقول أن فعلك عيب أسود, بل أنت بذاته العيب الأسود.
مروان المخلافي
بل أنت العيب الأسود 1159