;
د. شبيب غيلان المعمري
د. شبيب غيلان المعمري

دولة مدنية أم ترييف المدنية؟! (22) 1207

2013-11-28 18:11:51


يقول طه حسين (الرجل الذليل المهين لا يستطيع أن ينتج إلا ذلاً وهواناً والرجل الذي نشأ على الخنوع والاستعباد لا يمكن أن ينتج حرية واستقلال).. فهل القوى التي تربت على ترييف المدنية والتي تسعى لعسكرة الشعب وإخضاعه لقوانينها الجامدة قادرة على خلق دولة مدنية حديثة؟!, لماذا انهار التعليم في مجتمعاتنا؟, وكيف غاب الفكر المؤسسي بعد الاستعمار الكولونيالي؟!, هل سوف تظل التعددية الحزبية شكلية بعد ثورات الربيع العربي؟, هل الدولة المدينة الحديثة هي مظهرا عمراني فقط؟, وهل سوف تنجح ثورات الربيع العربي في تمديد الريف؟, أم سوف تريّف المدنية؟.

إن البكاء على الأطلال وعلى القيم الجامدة, وممارسة جلد الذات والنفور من الحداثة هي صور واضحة لانتكاس عصر النهضة بسبب ممارسة السلطة الأبوية لقيم ريفية قبلية, وأن ثروات الربيع العربي لن يكتب لها النجاح إذا لم تجعل ثقافة المؤسسات والتعددية مركباً من مركبات الثقافة المجتمعية.

نعم العلم قبل الثورات لم يكن أيضاً مركباً من مركبات الثقافة المجتمعية وذلك لأن النجاح والتميز في ظل السلطات العربية الأبوية هو لصيق بقرابة الدم والمصاهرة والنسب, ولهذا فقد أنشأت هذه السلطات القمعية كليات شكلية وتقليدية لا تدار بمناهج علمية حديثة وإنما بقوانين تفصل لأجل العائلة الحاكمة.. كما أن الطلاب في المدارس والجامعات يلتزمون بمناهج جامدة تخدم هذه العائلة وهي أقرب إلى الأوامر العسكرية وبالتالي فإنهم لا يحيدون عنها.. وهكذا تم تعطيل التفكير الجامد, ذلك التفكير الذي يخدم الحاكم ويتماشى مع موروثه القبلي الذي لا يقبل النقاش ولا النقد ولا يعترف بالآخر المختلف.

كما أن السلطات الأبوية القادمة من الريف هي التي جلبت إلى مدننا العربية الصراعات القبلية, ولذلك ظهرت الاختلافات الطائفية والتمايز بالألقاب والاعتزاز بالانتساب إلى قبيلة دون سواها, ليس ذلك فحسب, بل إن القبلية الحاكمة مارست فرض زيها الشعبي على سكان المدن من خلال تمجيدها له والادعاء بأنه من الماضي الجميل وبأنه يعكس شخصية الإنسان الحضارية.. وهكذا غابت ثقافة المؤسسات وتعطيل التفكير العلمي الجدلي وتغلغلت الثقافة الريفية القبلية, فتغير شكل الإنسان والنمط المعماري للمدن التاريخية, فالسلطات القبلية دمرت كل قيم الحداثة والتطور منذ أن تسلمت الحكم بعد الاستعمار الكولونيالي.

ولذا لا بد من اتخذا إجراءات لإسعاف ثورات الربيع العرب وتحويلها إلى ثورة فلسفة العلم والتي تهدف إلى تحرير العقل العربي وإطلاق عنانه وتشييد قوة الاقتدار المعرفي, وكل ذلك يعني بأن الثوابت التاريخية يجب عدم التوقف عندها, بل يجب تفعيل سلطان العقل الذي يضيف ويكتشف ويحدث ويطور, فالمحطة التي يجب أن ننطلق منها بعد الثورة هي إيجاد أسس الدقة العلمية من أجل الضبط الفكري وإعمال قوة العقل على أسس الدقة العلمية من أجل الضبط الفكري وإعمال قوة على أسس منهجية فكرية, بمعنى أن القيود الذاتية للعقل يجب أن تحطم, وبالمقابل يجب أن لا يعمل العقل بشكل فوضوي, بل وفقاً لقواعد وأدوات المنهج التجريبي العلمي.

نعم نحن مع العقل الطليق وثورته التي هي بدون حدود وبدون قيود, ونحن ضد العقلية القبلية التي تجمد العقل, لكننا نؤمن بأن العقل يجب أن يغذى بمناهج وفلسفات سليمة لأجل تشييد قوة هذا العقل.. وهكذا تبدأ محطة انطلاقنا من التمرد على السلطة القبلية والتفكير بمتطلبات بعيدة عن تدبير حاجات الجسد وهو تفكير جعلتنا هذه السلطة أسرين له.

علمنا التاريخ بأنه لأجل نجاح أي ثورة لا بد أن يحدث تلازم بين ثورة الفلسفة وثورة العلم والثورة الفكرية, فالثورة لن تعيد الطاقة للعقل المبدع المنتج المخترع إلا بهذه المقومات الفلسفية والفكرية والعلمية, وهذه المقومات هي التي تشكل ما يمكننا أن نطلق عليه بالتربة الخصبة للعقل.. فالتعامل إذن مع الواقع من منظور ردود الفعل هو ضد الثورة وهو تفكير قبلي جسدته السلطة العائلية القبلية, أما نحن اليوم نحتاج إلى تفكير استراتيجي قادر على بناء تصورات معقدة وبعيدة وقادرة على حل مشكلات مستقبلية.

ألسنا في أمس الحاجة إلى دولة مدنية حديثة تنقذنا من السلطة العائلية القبيلة؟!.. نحن إذن بحاجة إلى تمدين الريف وليس إلى ترييف المدينة, أي لابد أن ننمي الريف ليس عمرانياً فقط, بل فكرياً وعلمياً, فالتمدن لدينا لا يعني بناء مدن ذات شكل معماري جميل, بل هو أيضاً صناعة قوانين مدنية ترتقي بنا إلى مصاف الدول الحضارية والديمقراطية المتطورة.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد