ألف الناس اختيار المواد الغذائية، ابتغاءً للصحة والقوة، وإذا لحظوا في مزاجهم توعكاً أو شعوراً بإنحطاط في الجسم كافحوه بتخير الأطعمة المغذية والعسل الجيد أما ذوو القوى الضعيفة والفاترة فيسارعون إلى الأطباء يستنجدون بهم لاستشارتهم وبالتالي يلجأ الأطباء للأدوية والعقاقير الكيمياوية المختلفة والفيتامينات لعلاج مرضاهم، وفاتتهم مادة حيوية أساسية تبعث على الحركة والنشاط وتقي الإنسان شراً كثيراً من الأمراض، هي مادة "الأوكسجين" ويستطيع الإنسان العيش محروماً من أي مادة غذائية أياماً بل أشهراً ولكنه لا يستطيع العيش بدون الأوكسجين دقائق معدودات.. ذلك أن الأفعال الحياتية لا يمكن أن تتم بدون الأوكسجين، فبواسطته تحدث الاحتراقات وتنبعث الحرارة في الأجسام وإذا منعت عنها دقائق معدودات توقفت فيها الحياة وسكنت إلى الأبد، ومن العسير أن تمتد هذه الدقائق إلى أكثر من ثلاث فقط، وتوجد هذه المادة في الهواء بكثرة ولا تكلف المحتاج إليها شيئاً ولو قليلاً من المال، خلافاً لبقية الأدوية والفيتامينات التي قد يعجز البعض منا على شرائها في بعض الأحيان.
ويمكننا تشبيه هذه المادة بالوقود اللازم للسيارة، فهي بدون وقود أو بنزين لا يمكن أن يدور محركها وتسير، وكلما زادت حركة السيارة زاد احتياجها لهذا الوقود. وكذلك الإنسان فإنه يستهلك من الأوكسجين أثناء العمل عشرة أضعاف أو عشرين ضعفاً مما يستهلكه أثناء الراحة أما عند الرياضيين فتصل إلى خمسين ضعفاً.
والطبقات الجوية العالية فقيرة بالأوكسجين، كما تقل كميات هذه المادة كلما نزلنا إلى أعماق الأرض، فالمناجم فقيرة بالأوكسجين وغنية بالغازات الضارة.
الأوكسجين يبعث الدفء والحياة في الأجسام
ولكن كيف تستهلك أجسامنا هذه المادة وكيف تولد الحرارة وتبعث الدفء والحياة؟
ـ يهيب بنا إلى تقديس الخالق الذي خلق الإنسان وهيأ له في دنياه أسباب الحياة. إن الرئتين ذات تراكيب عجيبة في استيعابها للأوكسجين ثم نقله إلى الجسم ليكون مصدر قوة ونفع لجميع أجهزة الجسم المختلفة وأعضائه، وأنسجته وخلاياه الحية وتلك العملية البيولوجية طويلة معقدة بطول شرحها هنا، فعملية التنفس ضرورية وأساسية لجسم الإنسان، وبفضل الحركات التنفسية يتحدد الهواء داخل الصدر فيطرح الهواء الفاسد مع الزفير ليدخل هواء نقي غني بالأوكسجين مع الشهيق، ولكن يجب أن تتذكر أن الرئتين تستوعبان خمسة ليترات مكعبة من الهواء وأن كمية الهواء الداخلة إلى الصدر مع الشهيق لا تتجاوز نصف لتر فقط في التنفس العادي، لذلك باستطاعة كل إنسان أن يضاعف هذه الكمية ست مرات من خلال قيامه بعمل التنفس العميق وخاصة الشهيق، حيث يدخل إلى الرئتين ثلاثة لترات مكعبة من الهواء، مع الأسف الشديد اعتاد الكثير من الناس للوقاية من البرد في فصل الشتاء بحشر عشرات الأشخاص في غرفة واحدة للنوم أو السمر وتخزين القات وتدخين السجائر أو الشيشة أو "المدعة" مع أن الغرفة قد تكون ضيقة ولا يوجد بها نوافد للتهوية، وقد تدفع الحياة الاجتماعية بمئات الأشخاص للاجتماع في مكان محصور يكون مقهى أو مطعم أو سينما.. مما يفسد الهواء ويجعله فقيراً في عنصره الحيوي الأوكسجين غنياً بعناصره السامة المتصاعدة من أنفاس المجتمعين ومن فوهاتهم الطبيعية ومن الأدخنة المنبعثة من السجائر، كما أن الحيوانات المنزلية الأليفة كالكلاب والقطط والطيور وكذلك الأزهار والورود ونباتات الظل التي تزين بعض البيوت، من الداخل كلها كالإنسان تستهلك أوكسجين الهواء وتشارك الإنسان في زاده، هذا فضلاً عما تفرزه تلك الكائنات الحية من مواد سامة هي مخلفات التنفس.
علامات نقص الأوكسجين:
من العلامات الطبية على نقصان ارتواء الجسم بالأوكسجين ما يلي:
1. تناقص حدة السمع والبصر والإصابة ببعض التشوشات الفكرية والنفسية.
2. اختلال القدرة الفكرية والميل إلى النوم والشعور بالصداع تصاحبها نوبات غضب وانفعال ويلاحظ ذلك لدى الطلاب الذين يذاكرون دروسهم في غرفة سيئة التهوية.
3.الشعور بالخمول وعدم الميل إلى الحركة والشعور بالتنمل في الأطراف وإصابة العضلات بالارتخاء والوهن.
4. سرعة التنفس لأقل مجهود وخفقات في القلب عند المشي أو الحركة.
د. عبد السلام الصلوي
الهواء.. قوة وغذاء 1196