الذي يسافر لأي دولة يلمح مشاهدات إيجابية أو سلبية, وأنا عندما أسجل مشاهداتي إنما أريد أن نستفيد من تجارب الآخرين, وصحيح نحن اليمنيين لنا عمق حضاري وتاريخي جعل لنا مكانة في قلوب كثير من المسلمين خاصة, وهذا ما لاحظته: عندما يعلم التركي أنك يمني يحترمك كثيراً.. صحيح أنهم مولعون بأغنية حزينة تربط اليمن بهم وهي مشهورة لديهم، كلماتها كتبتها زوجة أحد الأتراك الذين قتلوا في اليمن أيام الخلافة العثمانية, وهي تقول "مالي أرى من ذهب إلى جبال اليمن ﻻ يعود".. فكانوا إذا قالوا لنا هكذا أرد عليهم مازحاً:( يحبون اليمن فيسكنونها ولا يعودون) فيضحكون، ولكنهم مع هذا يعتبرون اليمن عمقهم التاريخي ومددهم الإيماني, وصحيح أن لكل بلد مميزاته لكن الجميل أن نستفيد من بعضنا.
فمن المشاهدات الإيجابية:
*كل محطة بترول فيها جهاز هواء لتعبئة ووزن الكفرات, وكذلك ماء لغسل زجاج السيارة، يستخدم مجاناً، مما يشكل خدمات مميزة وخاصة في الخطوط الطويلة.
*تشاهد كثرة السدود والحواجز المائية منتشرة, وإن لم تطل على وديان, المهم تغذية أحواض المياه الجوفية وتلاحظها كأنها بحيرات.. ونحن صنعاء مهددة بالجفاف وماء أمطارها تصب في البحر ولا أحد بشعر بالمسؤولية عن حدوث كارثة مستقبلية.
*ونحن نمشي في خط السير من أنقرة إلى إحدى القرى رأينا عمال نظافة يرفعون المخلفات الورقية وغيرها من جوانب الطريق, برغم أنه خط طويل وليس شارعاً، ونحن لم نستطع أن ننظف حول بيوتنا.
*سيارات البلدية لوحة فنية متنقلة من خلال الرسومات للمناظر الخلابة عليها، ونحن البعض منا سيارته الخاصة مقلب قمامة.
*تمر في أنقرة بجوار القصر الجمهوري لا ترى عسكرياً واحداً يحرسه, والسور ليس خرسانة ولا حجراً, ولكنه شبك حديدي أنيق، ولا مطب أمامه أو أي حاجز إسمنتي.. ونحن نمشي من جوار بيت قائد أو شيخ صغير فتجد حواجز أو مطبات إسمنتية تكسر سيارتك أو تضيع وقتك دون مبرر, ولكن أغلبه مباهاة ومفاخرة.
*صلينا في جامع صلاة الجمعة وفيه يصلي الوزراء والمسؤولون, فلم نرَ عسكرياً يحرسهم وأكملوا الصلاة, فخرجوا بهدوء من جملة الناس.. ونحن إذا وجد مسؤول مصلي التف عليه المصلون ليقدموا طلباتهم, لأن هناك يمشي كل شيء بقانون, وعندنا لا قانون.
*منذ دخلنا العاصمة لم نشاهد شرطي مرور أو غيره في الشارع, ومع ذلك لم نشاهد أي حوادث سيارات أو مشاجرات بين خلق الله.. ونحن العساكر يملأون الشوارع والجولات والطرقات, ومع ذلك يكون القطاع على بعد أمتار من النقطة الأمنية.
*لم نسمع صوت هاتف في المسجد, هل لأن الأتراك لا يملكونها, أم لأنهم يملكون حساً إيمانياً بأنهم إذا دخلوا لمناجاة الخالق أغلقوا مناجاة المخلوق.
*لم نسمع صوت منبه سيارات في الشارع, ونحن المنبهات حتى بجوار المستشفيات, وكأننا شعب الصياح.
أخيراً أتمنى من كل مسؤول صاحب قرار يسافر إلى أي بلد أن يعود ولو بفكرة يطبقها في مجال عمله, وهكذا ننتفع بالحضارة بدلاً من الانبهار بها, وأيضاً يستفيد الوطن من الدولارات التي تصرف لهم بدل سفر.
محمد بن ناصر الحزمي
لقطات من تركيا 1451