جمهـورية إثيوبيـا الفيــدرالية لمن لا يعـرف عنها تقع في القرن الأفريقي, بلد فقير المــوارد لا يمتلك ثروات نفطية ولا مداخيل قومية أساسيــة, يزرع القـات ويصدره بطرق رسمية بكميات كبيرة إلى بريطانيـا ودول أُخرى, يعنـي شعباً مخزناً مثلنــا تماماً ولكنه يُصدر.
صحيح أنه فقيـر في الموارد الاقتصادية ولكنه غنـي بثروته البشــرية, فخـور بحضارته التاريخية, تلك الحضارة التي توارثتهــا الأجيال واستلهمتها وجسدت التعامل مع الآخرين على أسـاس الشعب الإثيـوبي الخضاري وليس على مفهوم تقسيم العالم إلى أول وثالث.. نعــم لا مكان لهذا التوصيف في ثقـافة الشعب الأثيـوبي وقيادته السياسية الحُرة.
نحن اليمنيـون نتشابه مع الشعب الإثيـوبي في كثيـر من الصفات كمواطن حضارية وزراعية وسبق ثقافي وإنساني وسياسي قديــم, ومن هذا المنطلق كان لزامـاً توضيح العنـوان لهذا المقـال "سفير إثيوبي ولا حكومة يمنيــة" من حيث القواسم المشتركة والمفارقات العجيبة رغم التشـابه الكبير.. وبما أننا سوف نكون دولة فيـدرالية كأساس لمخرجات الحوار الوطني في وضع الصيغة لشكل النظام السيــاسي لليمن فإن هذا التشـابه يتوقف عند العديد من المُفـارقات في الأداء السياسي والعلاقة بين الحاكم والمحكوم..
أوجه الاختلاف هنا وإن كانت الحقيقة مُرة إلا أنها تُعبر عن واقع الحال ولسان الواقع في سياسة حكومتنـا اليمنية.. وعليه فالحقيقة هي جوهر المفارقة أن الحكومة الأثيـوبية تصدر القات بكميات والإنسـان بنسة وخاصة إلى دول الخليج النفطي وحكومتنا اليمنية تستـورد كل المبيــدات المادية والبشرية وتصدر العقول والكفاءات البشرية بكميات تجـارية تديرهـا وزارات سيادية كالخارجية وقنصلياتها اللفظية وسفـاراتها الجمركية, بالإضافة إلى تلك الوزارة الاستهلاكية والتي تُسمـى كرهاً وزارة شؤون المغتربين..
الشاهد هنا في المفارقة شـرفاً وشعوراً بالمسؤولية والواجب الوطني الذي تفرضه الدساتير في حق المواطنة وتوجبه كل الشرائع والقوانين الدولية الملزمة ذلك الحضور المشرف للسفيـر الإثيوبي في إحدى مناطق العاصمة السعودية الرياض والذي تجمع فيها أبناء الجالية الإثيوبية بمظاهرة احتجاجية على ما تقوم به السلطات السعودية من ملاحقات وتعدٍ صارخ عليهم, رغم أن الكثير منهم دخل البلاد بطريقة غير شرعية, إلا أن السفير قام بواجبه وكان حضوره مدعوماً بتوجيهات صريحة من الحكومة الإثيوبية للانتصار للمواطن الإثيوبي والتفاوض القوي مع السلطات السعودية, وعلى الرغم أيضاً مما تعرضت له قوات الأمن السعودية وبعض المواطنين من إصابات وحالات وفـاة إثر احتجاجات أبناء الجالية الإثيوبية إلا أن التفـاوض كان حاضراً والانتصار محققـاً.. وبالمقابل تقوم السلطات السعودية بمضايقة المغترب اليمني والاعتداء عليه وكيل الإهانات والترحيل والزج بهم في غياهب السجون الصحراوية والمخابراتية, لا تُفرق بين مقيم شرعي ولا زائر لبيت الله ولا أسـرة وأطفالها, المهم أنت يمني لا مكان لك هنـا سوى المعاناة والقهر.. إنه الحقد بأم عينيـه.
هناك جرائم تُرتكب بحق المواطن اليمني وتتحـدى كـرامة وسيادة الوطن من قبل آلة القمع السعودي, وهناك معتقلون لا تُهم لهم سوى أنهم يمنيـون.. على سبيل المثال تسعة وثلاثون معتقلاً من أبناء مديرية باجل نُشرت أسماؤهم في موقع منظمة مسيرة الحياة, مواطن يمني من أبناء مديرية السبرة محافظة إب محمد أحمد عبده الجماعي يرزح في السجن منذُ عام وعشرة أشهر, قامت عصابة سعودية باستغلال حاجته للعمل فنصبت له فخ غسيل أمول مع تاجر ذهب.. جريدة عُكاظ السعودية تناولت الموضوع تفصيلاً "أحد أفراد العاصبة يقطن معه في غرفة المعتقل حُكم عليه ظلماً".
هذا أمثلة بسيطة للاستشهـاد وهناك آلاف اليمنيين في السجون والمعتقلات السعودية دون ذنب لهم سوى أنهم ينتمون لبلاد العربية السعيدة ويحملون الهوية اليمنية والانتماء للعروبة والإسلام, كل هذا العبث يحصل على مرأى ومسمع من الحكومة اليمنية رئاسة, حكومة, وزراء, سُفـراء, قناصل, قيادة ومشيـــخ, أحزاب ومنظمات حقوقيـة, نوبل وهــادي.
نواب يُناقشون سخفاً زواج القاصرات ومتحاورو موفمبيـك هب لي, أعطيك عزلاً سياسياً, تمديد تكتيك, حتى الصرخةُ قبحاً نعقت في دمـاج, أوليس هناك في نجد والحجاز "مظلـومية" للمغتـرب اليمني؟.. تبـــاً فمن ينتصر للمواطن اليمني المغترب؟, ومن يدافع عن حقوقه؟.. إنها سُخـرية القدر تلازم سياسة بلادنا عبر ساستهـا المُفرطين بكرامة المواطن وسيادة الوطن ممثلة بالمغترب اليمني في مملكة آل سعود.
أقول هنـا: أيها الحاكمون في وطني اليمن.. الصومالي يعيش بكرامة وحماية حكومته المتصارعة فهـل نتصومـل؟.. المواطن الإفريقي يحيـا بشرف في خليج النفط فهل نغيـر لون البشرة فيكون الانتساب لأحفاد بلال خيراً من أن نكون حكـاماً لوطنـنا الأبي عبر فترات التاريخ؟, هل نستعين بالحكومة الأثيوبيـة في الانتصار لحقوق الإنسان اليمني في بلاد الحرمين ونطالب سفيرها في الرياض بمتابعة قضايا المغترب اليمني؟.
نعم, لقد انتصـروا للرعيل الأول من الصحابة وكانوا لهم خير مضيف وموطن إقامة طيبة لا يُضـاموا فيها أبــداً.. هكذا هي حكومات الدول ذات السيادة والقرار السياسي المستقل "ومن يهن اللهُ فما له من مكـرم". الآية.. كفى بي أن أذكـركم يا حكومتنـا بهذه الآية, وألفت انتبـاهكم من خلالها "إن لا أنتم راع ولا المغترب اليمني لكم من الرعية", ولا أظنكم تحتـاجون "نكــز فيسبـوكي" و"سفيـر إثيـوبي" ولا حكـومة يمنيــة.
علي السورقي – شيفيلد المملكة المتحدة
سفير إثيوبي ولا حكومة يمنية؟ 2663