(يا أيها اللذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) صدق الله العظيم.
في اليمن هجرنا الهجرة ولم نهجر ما نهى الله عنه، ليس لنا سواك أحد يا الله أما عبادك فقد غيروا وبدلوا وحرفوا وزورا, ومن العجائب في بلادنا أن وزارة الأوقاف تحتفل بالعام الهجري وهي لم تؤد دورها ما ينبغي منها في التنوير ولا تستطيع التحكم بالمساجد أو الخطباء أو الوعاظ وليس لها عليهم أي سلطة, فالمساجد في بلادنا مقسمة ما بين الأحزاب والجماعات والهجرة مناسبة نعايشها كل عام ولكن بدون التمسك كما يجب بالعبادات، الهجرة من أجل الدين يقابله هجر من المسلمين..
هجرة النبي وهجر المسلمين، نحتفل نحن اليمنيين سنوياً بمناسبة العام الهجري وهي مناسبة عظيمة على كل مسلم ومسلمة بما لها من دلالات وعبر ومواقف وعضات والهجرة بمثابة نشر للدين ، والهجر بمثابة البعد عن الدين، وهذا ما يجعلنا نطلق على أنفسنا حكومات وشعوب بأننا اليوم على صفات المنافقين، الهجرة هي هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة وكانت لمدة عشر سنوات ابتداء من 12 ربيع الأول وانتهت في العام العاشر في 12 من ربيع الأول، والهجرة كانت تهدف إلى نشر وتثبيت قيم الدين والحفاظ على من أسلموا بهذا الدين الذي أنزل وحياً على الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا النبي الذي بعث رحمة للعالمين ومتمماً لمكارم الأخلاق والأخوة في الدين، وعندما كان مسار الدعوى في مكة بشكل سري توجه الرسول عليه الصلاة والسلام إلى المدينة خوفاً على أصحابه من بطش قريش والمشركين ، ثم كان الظهور جهراً بالدين والهجرة كانت سبباً في نشر التوحيد الخالص لله والبعد عن الشرك وفي المدينة تم بناء أسس ودعائم دولة الإسلام وبناء المساجد وقيام مجتمع مسلم مبني على الألفة والمحبة والتعاون والتكافل يسود هذا المجتمع العدل والمساواة وحرية القول والفعل، وإشباع الجياع من بيت مال المسلمين والتعايش مع غير المسلمين من اليهود والمسيحيين، لا إكراه في الدين على أسس (لكم دينكم ولي دين) و(قد تبين الرشد من الغي)..
الهجرة وما فيها من قيم وأهداف تعتبر دستور شامل للحياة، ثم توسع هذا الدين لينتشر في كل بقاع الأرض بالجهد والتضحية والصبر على الآلام وعلى خداع ومؤامرة أهل الشرك والضلال، أين نحن اليوم من فكر وتضحيات قوم أهل الإيمان في زمن عبادة الأوثان إلى زمن صناع الاحتقان ثم الدمار ورجال هذا الزمان من لا يقبلون أكل الحلال ويحللون لأنفسهم الحرام وفي اليمن سهل أن نعمل ما نريد و ننتقد الآخرين في كل شيء ولم نسلم الدين من التحريف والتشويه والنقصان والانتقاص إرضاءً لليهود والنصارى، حتى الإجازة بدلوها لنا من الخميس حتى أصبحنا مسبتين وهذا دليل على أننا تابعين لا متبعين، كل ذلك ونحن نمارس الأخطاء في كل شيء مرض أصاب الكبار والصغار في اليمن من الساسة إلى حفاظ القرآن، نقص يواجهنا أينما نتوجه في كل مصلحة من المصالح وفي كل وزارة من الوزارات وفي الفتاوى والمساجد والعبث والعشوائية وسام على رؤوس اللئام من عباقرة هذا الزمان من همهم كسب المال ولو من الحرام..
اليوم اليمنيون ربما ليس معهم من الدين سوى التسمية بأنهم مسلمون يمارسون الطقوس والمناسبات ويمرون عليها في الأعياد وبقية المناسبات مرور الكرام بدون مقاصد الدين ونهج الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء والتابعين..
هجرنا الدين فتغيرت أحوالنا وأصبح مصيرنا بيد أهل النفاق ومن يتعمدون خلط المفاهيم، هجرنا الدين حتى ألصقت بنا صفة المنافقين، هجرنا الدين فنزع منا اليقين وأصبح اليقين عند غير من شرع لنا الدين حتى استبدلنا حبنا للدنيا بالملايين بنهب المال العام والمزايدة على حقوق المواطنين، هجرنا الدين فتبدلت أحوالنا إلى قلق وجحيم، هجرنا الأصول لنبحث عن الفروع التي تبرر لنا ضياع الدين والجري وراء دنيا الملذات الماديات، ونسينا أهداف الدين، هجرنا الدين فأذاقنا الله البؤس والخوف والجوع والمرض حتى قراءتنا للقرآن في كل سنة في رمضان بدون تدبر أو حسرة على ما مضى من أعمارنا من ضياع ولهو . وهجرنا العبادات والصلوات من أجل مضغ القات والجلوس لساعات في حبك المؤامرات والقيل والقال.. في الليل حتى والناس نيام سكار وبطار وسفور وفجور ولم نخش أن يرانا الملك العلام ولا نستحي الديانة مسلم والتوجه لموسكو وواشنطن، أوضاع قاسية نعاني منها مع أنفسنا ومع أسرنا وجيراننا ومنهم حولنا نؤمن بالله وبالرسول محمد عليه الصلاة والسلام ونصلي ونتصدق ونصوم لكننا خصوم في حب من هم أقرباء الرسول..
الحقيقة أن القدرة على فهمنا للدين والتمسك به عندنا غائبة في ظل غياب الدين في القلوب وفي النفوس وفي المعاملة فيما بيننا وبهذه الطريقة لا نعلم أننا مسلمون أم يهود والصفات التي على أساسها الدين نزعت مننا وتمسك بها الغرب بدلاً منا نحن المسلمين، ونشكو حالنا إلى الله بدون أن نعمل بما أمرنا به الله.
اليمن في ظل هجر شعبها للدين غارقة في الظلام للعقل والفكر والتوجه والأخلاق ، ظلام في المعتقد والاستقامة وظلام في العادات والتقاليد والعرف وظلام في فهم النصوص والسبب من يرسمون لنا سياسات البلاد، ومن يستعجلون علينا الرحيل إلى القبور لكي يبقوا في القصور، أهون علينا اليوم ظلام الليل من ضوء النهار لعل ظلام الليل يوهمنا بأننا رجال والحقيقة مع الظلام أصبحنا في النهار نسوان لأن منهم على مستوى القرارات في الدولة جعلوا النهار ظلام يصنعه لنا الساسة بالبطش والإجرام.
أستغفر الله رجوعاً إلى الله، استغفر الله فراراً من غضب الله إلى رضاء الله، استغفر الله فراراً من سخط الله إلى عفوه، استغفر الله من التقصير في العبادات كلها، استغفر الله من عدم القيام بحق الله وخلق الله، استغفر الله من رؤية النفس بعين التعظيم، اللهم آمين.
محمد أمين الكامل
واقع اليمنيين بين الهجرة والهجر (1) 1405